من أكثر الرسائل الخطيرة التي يتم تمريرها عبر المسلسلات والأعمال الدرامية الخليجية تحديداً السلوك الذي يبدر من بعض المراهقين في هذه الأعمال بتعديهم وتطاولهم على آبائهم وأمهاتهم، لا فرق في ذلك بين البنات والشباب، ويتواصل التعدي إلى بقية الأهل من أخوات وجدات و... الخ ، في صورة تستدعي الذاكرة تلك المقولات التي راجت فترة عن المخططات العدوانية الرامية إلى تفكيك الأسرة بأكثر من وسيلة وطريقة ، بإشاعة ثقافات مغلوطة حول المساواة بين المرأة والرجل، وتعزيز توجهات حقوق المرأة عبر لامبالاتها بزوجها وبيتها وأبنائها، وإعلاء حقوق الأطفال والمراهقين بدفعهم إلى المطالبة بحقوقهم والإبلاغ ضد أهاليهم لدى الجهات الرسمية و... الخ .
لقد بقيت الأسرة الحصن الأول والأكبر والأشد تماسكاً في المجتمع العربي ، وإليها يرجع الفضل في بقاء هذا المجتمع صامداً متماسكاً متعاوناً رغم تقلبات الزمان وعواصف المؤامرات والحروب والظروف، لم نصل إلى ما وصلت إليه أمم كثيرة دخلت من باب التحضر والعلم والرقي وحقوق الإنسان، لتخرج من بوابات أخرى أكثر حساسية وأهمية وعلى رأسها التماسك الأسري والتعاضد الاجتماعي.
إن الالتزام بأقصى درجات التأدب واللباقة في مخاطبة الوالدين والتعامل معهما ومع بقية الأهل والجيران والأصحاب، دون أن تعني الآية الكريمة “ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا “ لا تشير إلى أي معنى من معاني انعدام الحقوق وإهانة الكرامة أو التنازل عن أي حق ، بقدر ما تعني الإحسان للوالدين وبرهما وللأهل والأقارب وصولاً للجيران والأصدقاء ولكل من له فضل على الإنسان مهما كان صغيراً ، ذلك ما أكدته كل الشرائع والوصايا التي تركها الأنبياء والرسل والصالحون .
إن مشهد الابنة التي تفر من البيت ببساطة لتحرر بلاغاً ضد والدها ، ثم استدعاء الوالد لمركز الشرطة لمساءلته إن كان قد حبس ابنته أو منعها من الذهاب إلى الجامعة وعلى مرأى منها، ثم توقيعه تعهداً بعدم العودة لذلك ، لا يفعل شيئاً سوى هلهلة العلاقة بين الابنة ووالدها، ومحو أي أثر للتوقير والإحسان والاحترام له ، فهل هذا هو البر والإحسان للوالدين ! ثم إن هذا المشهد وهو يمر أمام أعين آلاف المراهقين الذين يتعرضون لمواقف تأديبية من ولاة أمورهم يدفعهم للتفكير في مثله لأنهم مراهقون لا يفهمون عواقب أفعالهم ، لكن الصورة التلفزيونية لها من التأثير وسحر الاستحواذ ما لا يعلمه إلا أهل الدراما والتلفزيون الذين لا ندري أيفعلون ذلك قصداً منهم أم جهلاً لا أكثر ولا أقل ؟
لقد سيق سيدنا إسماعيل ذات يوم عظيم للذبح على يد والده نبي الله سيدنا إبراهيم امتثالاً لأمر ربه ، فماذا قال إسماعيل لوالده حين أخبره بقصة أمر الذبح : قال له : “يا أبتِ افعل ما تؤمر”، ولن يذبحه أبوه ولن يكتمل المشهد بالتأكيد، لكنه الأمر والاستجابة من العبد لربه ومن الابن لوالده ، وبعيداً عن مقاربات النبوة التي لا ندعي اقتراباً منها فإننا على الأقل نطالب بالاقتداء والاهتداء بها طالما أننا في شهر القرآن نكرر آيات الله دون أن نعيها للأسف .


ayya-222@hotmail.com