أن تغرز المسامير المحماة بالنار في جسد خادمة، فهذا ما يشيع الفزع في النفس ويؤكد أن العالم سيظل يحتقرنا ويتقزز منا لأننا نتعامل مع البشر بصورة وحشية لم يسبق لها مثيل.. مخدوم يسمر جسد خادمته بـ 19 مسماراً بعد أن ألهبها بسعير النيران عقاباً لها كونها لم تطع الأوامر.
نقول دائماً إن الخادمات اللاتي يتم جلبهن من أقاصي الدنيا, يأتين بثقافة مختلفة ولغة غير لغتنا، لذلك ليس من اليسير أن يستوعبن الواقع الجديد الذي يحللن فيه وليس من السهل أن يتفهمن مطالب المخدومين، الأمر الذي يجعل من الصعوبة التفاهم معهن بمجرد وصولهن إلى البيوت الجديدة في اليوم الأول وحتى في الشهر الأول، والإنسان العاقل الذي يتمتع بأخلاق الدين الحنيف وقيم مجتمعاتنا العربية يستطيع أن يصبر وأن يتحمل وأن يراعي ظروف الإنسانة التي أجبرتها الظروف أن تترك الزوج والولد والأهل وتتغرب بعيداً عن بلادها من أجل كسب لقمة العيش.
الإنسان العاقل يجب أن يترفع عن زمن العبيد والجواري ويتعامل مع هذه الإنسانة كموظفة لها حقوق وعليها واجبات، وألا يستغل ضعفها وحاجتها في بسط نفوذه وسيطرته على مشاعرها والاستيلاء على حريتها الشخصية وسلبها كيانها لتصبح أداة تنفيذ أوامر فحسب.. الإنسان العاقل لا يمكن أن يقبل على نفسه أن يمارس على الآخرين وحشية الغابات، ولا يمكن أن يقبل أن يتخلص من آدميته ليتحول إلى كائن بغيض حاقد وناقم.
الإنسان العاقل لابد وأن يتذكر ظروف الآخرين ويتصور نفسه لو أنه انقلبت الظروف وأصابه ما أصابهم أو يضع نفسه مكانهم.. هذا النكران لجميل العيش الذي نعنيه جعل من الكثيرين يتكدرون ويتحولون إلى أنياب حادة ومخالب شرسة تفتك بالضعفاء وتبيد إنسانيتهم كونه فقط يملك ما لا يملكون.
هذه التصرفات المنحرفة هي التي توغر الصدور وتملأ القلوب حقداً وتشوه سمعة الإنسان في بلداننا وتجلب إلينا المآسي والأحقاد والكراهية.. فشخص واحد قد يتصرف تصرفاً لا أخلاقياً يسيء إلى مجتمع بأكمله دون أن يعي ودون أن يتحرك له ضمير أو يرف له جفن عندما يعتدي على خادمة ويسيل الدماء من جسدها.
مكاتب جلب الخادمات وكذلك المحاكم تعج بشكاوى الخدم الذين يلقون أسوأ المعاملات من مخدوميهم وكذلك الجرائم التي يرتكبها هؤلاء كرد فعل قاس ومدوٍ على ما يلاقونه من سوء الأحوال.. والذين يقومون بهذه الأفعال من المخدومين لا يخافون على أبنائهم ولا يخشون من العواقب، لذلك فالمشاكل تتكرر وتتضاعف وترتفع نسبة الجريمة في بلداننا لأننا تجاهلنا ثقافة التعاطي مع الآخر وجمدنا ضمائرنا.. والنتيجة نحن الخاسرون.


علي أبو الريش | marafea@emi.ae