قبل أيام قام متجر كبير بالترويج على طريقته الخاصة لافتتاح فرع له في العاصمة، ولضمان الإقبال الجماهيري على الحدث أعلن عن تخفيضات كبيرة على الأسعار في يوم المناسبة، ليشهد المكان تدفق أمواج من البشر منذ الساعات الأولى، مما تطلب اتخاذ إجراءات وقائية في المركز التجاري.
واضطر رجال أمن الشركة التي تتولى حراسة المبنى إلى تنظيم الدخول فرداً فرداً، وفي الداخل كان الأمر مخيبا لآمال شرائح واسعة من الجمهور الذي اكتشف أن الأمر مجرد وسيلة من وسائل الترويج الذي يرقى لمستوى التضليل. إذ لم ينتبه الجمهور الذي اندفع وغمر المكان لتلك العبارة المطاطية التي يتم إدراجها بأحرف صغيرة في الإعلانات، والتي تقول «العرض سارٍ حتى نفاد الكمية». وبالتالي فقد أُحبط الكثيرين ممن كانوا يمنّون النفس بالحصول على صفقة مشتريات جيدة، خاصة أن الإعلان أسال لعابهم لانخفاض أسعاره الترويجية للنصف تقريباً عن الأسعار السائدة.
قبل هذه الواقعة شهد المركز التجاري ذاته ازدحاماً غير مسبوق بعد أن تدفق الناس على محل للألبسة فيه عمد إلى الطريقة الترويجية ذاتها، واضطر رجال أمن المركز لتنظيم الدخول ليفاجأ الجمهور بأن الأمر كان مجرد طريقة لاجتذابه ليس أكثر. لأن كل من دخل ذلك المتجر اكتشف زيف العرض المقدم لأن الشعار المطاطي ذاته كان مرفوعاً «العرض حتى نفاد الكمية». متاجر أخرى تعلن عن عرض جنوني على السلع «لأول مئة زبون»، وهي مطمئنة لعدم وجود عداد لأعداد الذين أقبلوا على هذا المتجر أو ذاك.
مشاهد ووقائع تدعونا للتأكيد مجدداً على ضرورة التدخل لمنع الاستهانة بعقول ووقت الناس، وإعادة المصداقية والثقة للإعلانات والترويج التجاري، وكشف أولئك الذين لا يفرقون في ممارساتهم بين الترويج المشروع والتضليل المقصود بمراميه غير المشروعة. وهم لا يكترثون في ذلك بحياة الناس الذين يتدفقون بأعداد هائلة على منطقة محدودة الاستيعاب، تفتقر إلى المخارج الكافية للطوارئ والاحتياطات المطلوبة في مثل هذه الأحوال التي يتوقع المرء حدوث أي طارئ فيها جراء التكدس وتجمع مئات الأشخاص في مكان واحد.
ومقابل صور الخلط تلك يلمس المتابع التصرف المسؤول الذي تقوم به بعض المراكز الكبرى أو «الهايبرماركتس» المنتشرة في الدولة. بعد أن لاحظت أن أشخاصاً يتبعون محال البقالة الصغيرة ينقضون على السلع التي تدرج ضمن عروض الترويج بحيث لا يبقون شيئاً للآخرين، لتقوم تلك المحال بإعادة بيعها بأسعار أعلى. وقررت تلك المراكز تحديد عدد القطع المسموح للشخص شراؤها من هذه السلعة أو تلك . ويبدو مثل هذا الحل منطقياً إلى حد ما للحيلولة دون سوء استغلال الغاية من العرض الترويجي. ويضفي قدراً من مصداقية التعامل بين المركز التجاري ورواده بعيداً عن أولئك الذين يعتقدون أن الترويج الناجح هو الذي ينجح في تضليل الناس والالتفاف عليهم بالحيل والخداع، وهم الذين صدقوا دعاياته وإعلاناته. ولا يدرك هؤلاء أن نجاحهم لمرة واحدة لا يعني نجاحهم دائماً بعد أن يفقدوا أهم رأسمال .. ثقة الجمهور الذي استوعب الأمر.


ali.alamodi@admedia.ae