عند العراقيين مثل قديم “عرب وين.. طنبوره وين” يتمنى الواحد منا أن ينساه، ولا يتذكره ولا يتلفظ به، لكن في بعض الأحداث الجسام تجد هناك أناساً من يأتون بفعل أو قول لا يتناسب وفداحة الحدث، فتبحث في قاموس ذاكرتك، فلا يعنّ عليك إلا ذلك المثل العراقي، وتأخذك الذاكرة بعيداً لقول منسوب لماري انطوانيت حينما صاحت الشعب الفرنسي يريد الخبز أو إسقاط النظام، فأحالتهم إلى النصح بأكل البسكويت، فابتلعها الشعب على مضض، ومرارة كبده حتى نجحت ثورته، وقام بإعدام صاحبة البسكويت التي استهزأت بأحلامه ومطالبه.
مثل ماري، ومثل طنبوره يحضران كثيراً فيما يعرف اليوم بالثورات العربية أو ربيع العرب، وقد ظهرا جلياً: عندما خطب الرئيس المصر على البقاء في الحكم، والمصر أن يختار لشعبه حاكماً يعرفه ويثق فيه لشعبه من بعده، والمصر أن يسمى حشود الشعب الكبيرة التي ما برحت ساحة التحرير، والساحات العامة في المدن المختلفة منذ شهر ويزيد بالشرذمة القليلة المغرر بها من قبل القوى الخارجية، والمصر كثيراً على عدم الرحيل رغم أن الشعب يطالبه بالرحيل والرحيل الفوري، الشعب ثائر عن بكرة أبيه، والرئيس يطالبه بعدم اختلاط الرجال بالنساء في هذا الوقت غير المناسب والعصيب من تاريخ الأمة، لأن في الاختلاط ضرراً على الثورة وعلى نسائها، وأن على الشعب اليمني أن يحتذي بقول شاعره الكبير المحضار: انتهى المشوار كله، ما تلامسنا الكتوف، فالثورة بالضرورة أن تتبعها العفة، وإلا كان كل جمع مختلط بالنساء والرجال يستطيع أن يتجمهر معلناً عن ثورته العارمة، وحتى إن لم يجد الشعب الثائر حيلة في أمر الاختلاط على الحكومة المستقيلة أو الحكومة القادمة أن توفر له هذا الجو، وتحرص أن تفرق بين المتجمهرين والمتجمهرات، الصالحين منهم والصالحات، وتمنع ما استطاعت أن ينضم للجمعين آخر ثالث، حيث يكون هو الشيطان بالتأكيد، لأن الكثير من الثورات فشلت على مر التاريخ نتيجة اختلاط نسائها برجالها، ونتيجة عدم الأخذ بعين الاعتبار لقول المشرع والنص، ولو كانت تريد تلك الثورات الصلاح والإصلاح لكانت تخلصت من وقتها وحينها من الاختلاط، لأنه وباء عليها، ووبال على الثائرين، وكم من ثائر لم يخلص النية، وخرج ثائراً، وهو في حقيقة الأمر يريد الاختلاط، فمات موتة جاهلية، وخسر دنياه وآخرته، وأن سبب قول القائد القذافي، وتأكيده في أكثر من مناسبة: “فرد، فرد، بيت، بيت، دار، دار، زنقة، زنقة” ما هو إلا من أجل فك تلاحم الشعب بعضه ببعض، ومنع الاختلاط، خاصة في الثورات الجماهيرية الحاشدة!


amood8@yahoo.com