بعد أن اقتربت المسلسلات الخليجية الرمضانية من النهاية، بدأت معظمها في تنفيذ ما يشبه «صدمة الإنعاش» للمشاهد الذي ملّ من الحوارات الطويلة وصراخ النساء فيها، صدمة درامية لإيقاد جذوة العمل بعد أن خبت أحداثه، لكن معظم الصدمات في المسلسلات جاء أكبر من حدود استيعاب المشاهد، فهو لا يقترب من واقعه ولا من تقاليده وأعرافه، ولا يتناسب قطعياً مع مجتمعه المسلم المحافظ. أحد المسلسلات قدم الصدمة عبر انتهازية أخ يبيع كلية شقيقته ليقبض مالاً من ورائها، وتطيعه الشقيقة دون نقاش مكتفية بجملة واحدة «مثل ما تريد يا أخويه»، مسلسل آخر اختار أن تكون الصدمة سلسلة من الخيانات الزوجية التي يقوم بها أبطال المسلسل تتوجها علاقة غير شرعية بين البطل المخضرم وأخت زوجته! مسلسل آخر اختار ولثلاث سنوات متتالية أن يقدم القصة نفسها لرجل ناجح يقع ضحية السحر والشعوذة من فتاة انتهازية وأمها، وآخر قضينا الشهر بطوله لا نسمع فيه إلا كلمة «اذلف» التي قالها جميع الممثلين فيه بكل المشاهد تقريباً! ومسلسل آخر اختار أن يربي في الأطفال صفة نقل الأخبار أو «الوشاية» فترى الصغار في المسلسل يتجمهرون في غرفة الجدة لنقل تفاصيل حياة آبائهم إليها، وهي تكافئهم بالحلوى. أفكار غريبة يطرحها مخرجو هذه المسلسلات ومؤلفوها لنا، تحمل في معظمهما (مجاهرة بالمعصية) تقدم مسألة التحرر الأخلاقي، والاغتصاب والحمل غير الشرعي وحتى الإجهاض الذي قدم له أحد المسلسلات طريقة جيدة للراغبات بإجرائه! ينسى مخرجو هذه المسلسلات أن هناك جمهوراً من المراهقين والأطفال يشاهد أعمالهم، وأن الأفكار المسمومة تصل إليهم بسهولة، وأن العادات التي يرونها تنمو معهم ويعتبرونها أشياء عادية معتادة، وتكرار بعض الجمل عليهم في كل المسلسلات تقريباً يجعلهم يسلمون بها كحقائق لتختزن في عقلهم الباطن وتصبح هذه العبارات من شعاراتهم في الحياة. حين تأسست الدراما الخليجية، وبدأت المسلسلات الأولى تشق طريقها للجمهور، قدمت أعمالاً بسيطة، محبوبة، ذات بعد اجتماعي يمكن أن تحصل في بيت جيراننا، أو في الشارع المقابل، أحداث تتعايش مع الواقع وتقدمه لنا مغلفاً ببعض الكوميديا. هذه الأعمال مثل «اشحفان»، «درب الزلق»، «خالتي قماشة»، «خرج ولم يعد»، « إلى أبي وأمي مع التحية»، وغيرها من الأعمال، شاهدناها صغاراً وكباراً، وعدنا لمشاهدتها عشرات المرات، وما زالت تحصل على جمهور عال عند عرضها على القنوات، لأنها لامست الواقع واقتربت من الناس، فأظهرت الأسرة الخليجية أسرة عادية دون مبالغة في المثالية ولا انجراف في الابتذال والتحرر، وهذا هو النوع من المسلسلات الذي نريده، شيء يقترب منا لنتابعه، ونحن نعلم أن الأحداث منطقية فعلية، وليست فبركة ولعب على الذقون لصنع نجاح واهم لمسلسلات تنسى بانتهاء الشهر الكريم. فتحية البلوشي