يظل الخطاب العربي مرتبكاً، مضطرباً، مشوباً بالريبة والاحتباس الحراري؛ لأنه خطاب منغمس في العاطفة إلى درجة الغرق وفقدان التنفس، مطموس بردود الفعل الجاهزة والمعدة سلفاً، ويظل الإنسان البسيط حائراً، دائراً، تستدير به الكرة الأرضية وهو يتوسط الجمع ما بين “النخبة” المدافعة عن حقوقه الإنسانية وأخرى تمسك بمعاول الهدم ويتفشى وباء مزرٍ يقضي على آخر ذرة ورمق.. الخطاب العربي دفاعي فقط يتلقى الضربات فيصد ويرد وفي أحيان كثيرة يتصدع فيفر متراجعاً، لا حول له ولا قوة. الآن وفي هذه المرحلة التي فيها تشتعل أوار الحروب الطاحنة، ما بين متزمتين ومتربصين، لا يوجد بينهما ذلك الخطاب المانع الرادع الحافظ لحقوق الأمة في العيش كريمة وبلا نعوت تحمل نعوش دقاتها، لا يوجد ذلك الخطاب الذي يضع حداً للأقاويل والتأويل والتفسيرات الخاطئة. فالآن كلما طنطنت ذبابة في مكان ما من العالم اتهم فيها “الإسلام” وبالذات العرب، وبطبيعة الحال فإن الذين يختبئون تحت جنح الظلام تسكرهم مثل هذه الاتهامات ويعتبرونها بطولة تتوج رؤوسهم بالفخر والاعتزاز؛ لأن المتهِم والمتهَمْ سواسية يبدأون وينتهون لغاية واحدة وغرض واحد، ألا وهو التشويه ومن ثم الإضعاف وإبقاء هذه البقعة من العالم، مضعضعة، مقطعة الأوصال، هذه الوضعية التي تحقق أهدافاً سابقة لدى المتزمتين والمتربصين. الأمر الذي يستدعي أن ننهض وننفض غبار ردود الفعل العاطفية وأن نعمل بالعقل ونعالج قضية الانهيار الأخلاقي والديني اللذين سوقتهما مجموعات صادرت كل شيء واستولت على كل شيء وتصورت أنها الوحيدة المخولة في منح صكوك الغفران.. فيجب أن نعترف في أن ما جلبته لنا هذه المجموعات التي ارتدت جلباب الدين بالمقلوب لهو أشد ما فعله التتار في بغداد، وأفظع ما صنعته الحروب الصليبية في الوطن العربي كافة. نحن بحاجة بحق إلى أجندة سياسية، أيديولوجية تضع واقع الأمة على نقيض ما يحصل الآن، نحتاج إلى إرادة تعمل بالفعل للدفاع عن حقوق الأمة وردم الهوة ما بيننا والآخر، ليس بالتشفع وطلب الشفقة والغفران، وإنما بالعقل المنتمي إلى ثقافة تمتد جذورها إلى آلاف السنين وحضارة رسخت وأنارت يوم كان العقل يقود القافلة والإرادة تؤازر المسيرة والعزيمة تطوق الأحلام الكبيرة.. لم يزل في الوقت متسع فيجب ألا نفوت الفرصة ويجب أن نقف مع الآخر كتفاً بكتف معتمدين على قوة ثوابتنا، وأصالة جذورنا الحضارية وبدون تكلف أو تزلف أو ارتجافة لسان أو رعشة يد. علي أبو الريش | marafea@emi.ae