بعض الأشخاص لا تملك إلا أن ترفع لهم القبعة، كما يفعل الإنجليز تقديراً وإجلالاً لدورهم ورجولتهم، فهي من الشيم والقيم النبيلة، التي تعززها عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، والتي تغنت كثيراً بالتضحية والقوة والشجاعة، وقد تغنى بها شعراء العرب كثيراً، باعتبارها قيمة لها معنى ومغزى كبير، وأشهر ما قيل في الشجاعة والإقدام شعراً، أبيات أبوفراس الحمداني، إذ يقول: تهون علينا في المعاني نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر ويقول الشاعر عروة بن الورد: أقسِّم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد إن قمة السعادة ألا يعيش الإنسان لنفسه فقط، بل يجب أن يعيش لينشر السعادة فيمن حوله، ويسخر نفسه لخدمة وإسعاد المجتمع والآخرين، وقصص الإيثار والتضحية بالنفس، التي هي أغلى المعاني التي يمتلكها الإنسان كثيرة، ولكي تسجل اسمك في قائمة الشرف لمعاني التضحية والفداء لابد أن تهب نفسك، لأن النفس أعز ما نملك، فكم سمعنا قصصاً عن بطولات أشخاص آثروا أنفسهم على غيرهم، وضحوا بحياتهم. وللإيثار وجوه كثيرة، منها الإيثار بالمال، والإيثار بالكرم، والإيثار بالشجاعة، ويأتي أهمها وأغلاها الإيثار بالنفس، فهي أن تضحي وتقدم للآخر أعز وأغلى ما تملك، وهي قمة الإيثار التي لا ينال شرفها إلا القليل. ومؤخراً ضحى الشرطي الشهيد، الذي سيكون بإذن الله في مقام الشهداء والصديقين، وفي أعلى عليين، علي الأنصاري، بنفسه من أجل الوطن والحفاظ على أبنائه من شر وشرور آفة مميتة، تفتك بالمجتمعات والأمم، هي المخدرات، عندما شارك في كمين نصب لضبط تاجر مخدرات بأحد شوارع دبي الرئيسية، وعندما حاول رجال الأمن بدبي إيقاف هذا التاجر الفاجر لم يتوان في دهس الشرطي بكل وحشية تنم عن عدم إنسانيته، ومثل هؤلاء لا يعرفون معاني الإنسانية، فزاد هذا الموقف المؤلم، من إصرار وعزيمة الشهيد للإمساك بهذا السفاح المجرم، ومنعه من الفرار، فلم يفكر في نفسه، ولا في أمه، وهي الغالية الحانية العطوفة والرحومة، ولا في أبيه، ولا في أخيه، ولا في أخته، ولا عمه ولا أحد، بل كان الوطن، وأمنه وأمانه والحفاظ عليه، همه الأول والأخير، فلم يتوان ولم يتردد في ملاحقة ومطاردة تاجر المخدرات، ولم يثنه ولم ينل من عزيمته الفولاذية هروبه من الشارع العام إلى المنطقة الصحراوية، ليواصل الشهيد مطاردته وملاحقته له، إلى أن جاءه الأجل، ولقيته المنية، بتدهور سيارته ليفارق الحياة بعز وكرامة وشجاعة وإقدام، وليكون فخراً ورمزاً لأبناء الوطن. وفي السياق نفسه، لم يراع القطري سعيد مبارك نفسه، ولم يفكر كثيراً، بل شمر عن ساعديه، ونزل فوراً إلى البحر خلف السيارة التي هبطت في خور رأس الخيمة، للإسراع في إنقاذ قائد المركبة، الذي هوت سيارته في البحر، ولكن الأقدار تشاء أن يفارق المنقذ الشجاع وقائد المركبة الحياة غرقاً. مثل هؤلاء البواسل الشجعان الأماجد الأشاوس، يستحقون كل التحية والتقدير، وأن نرفع القبعات من أجلهم. محمد عيسى | m.eisa@alittihad.ae