يحلو لي دائماً إيراد واقعة شهدتها بمنزل صديق في إحدى المدن الأوروبية، عندما زاره مندوبا مصرف يتعامل معه لإقناعه بعدم المضي في طلب قرض تقدم به ما لم تكن الحاجة إليه ملحة، والغاية منه ضرورية. وسعدا وهما يغادران عندما أبلغهما بأنه سيفكر جيداً في كلامهما.
قفزت أمامي مجدداً هذه الواقعة بينما كنت أتابع مطلع الأسبوع الجاري نتائج دراسة دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، والتي كشفت ضمن ما كشفت أن 74.5% من القروض المصرفية تذهب لتمويل شراء سيارات جديدة. وأن59.7% من الأسر مقترضة من البنوك. كما بينت الدراسة التي غطت أواخر العام الماضي ارتفاع مستوى رفاهية الأسر، مقابل انخفاض نسبة القروض الموجهة للمشروعات الاستثمارية والتي بلغت1% (واحد بالمئة فقط) من أجمالي التزامات الأسر المقترضة.
لقد كانت نسباً مؤلمة في تفاصيلها والنتائج التي تترتب عليها عند تعثر السداد، حيث تكشر هذه المصارف عن أنيابها، وتكشف عن وجهها الحقيقي المنفر. مندوبو ترويج القروض الاستهلاكية الذين كانوا يرسمون للشباب صوراً وردية للأيام المقبلة مع السيارة الجديدة و” الكشخة” التي تلفت الأنظار، تجدهم يستبدلون الابتسامة الصفراء بوجه جامد وتكشيرة منفرة بمجرد أن يكتشفوا أن ضحيتهم قد بدأ رحلة الانحدار والتعثر في سداد الالتزامات التي عليه. ومن هؤلاء المندوبين من يزيد ورطة ضحيته ألماً وقسوة، وهو يورطه في دوامة السحب على المكشوف والبطاقات الائتمانية التي تقوده إلى ممارسة لعبة الحواة في “تلبيس وتبديل الطاقيات”، حيث يأخذ من هذا الحساب، ليسدد لحساب آخر، قبل أن تنقض عليه سهام التاريخ المحدد للسداد، بما يحمله التأخير من رسوم إضافية وغرامات. وعندما تستنفد مهارات” الحاوي” تشتد حلقات دوامة تقود في أحايين كثيرة صاحبها إلى خلف القضبان من جراء سوء تدبيره وتصديقه لمعسول كلام مندوب المصرف الذي لم يكن يهمه في تلك اللحظة إلا اصطياد زبون حتى يحتسب له المصرف عمولة اضافية.
وقد وقفت على واقعة مؤلمة لشخص استدان للمرة الأولى 120 ألف درهم، وأستعذب لعبة السلفيات السائدة والمتفشية، وشراء القروض بين البنوك حتى وجد نفسه أمام التزام تراكم القرض الذي بلغ في نهاية المطاف نحو مليون و700 الف درهم.
وتابعت نهاية سائق آسيوي، دخل لعبة البطاقات الائتمانية حتى وجد نفسه مكبلاً بالتزامات أكثر من عشر بطاقات ائتمانية، مطلوب منه أن يوزع راتبه الشهري الذي لا يتعدى الأربعة آلاف درهم عليها وعلى احتياجاته والتزاماته الأسرية، فآثر الانتحار.
وإذا كان اليوم رهاننا على التشديدات والضوابط الجديدة التي أقرها المصرف المركزي مؤخراً للسيطرة على الوضع، فإننا ندعو أيضاً لتبني الجهات المختصة وفي مقدمتها وزارة الداخلية وجمعيات حماية المستهلك ودوائر الإصلاح الأسري والاجتماعي والشؤون الإسلامية والأوقاف تنظيم حملات مكثفة لرفع الوعي الإدخاري لدى الشباب على وجه الخصوص، وحمايتهم من الانجرار وراء إغراءات مصارف تجارية لا تنظر سوى لمصالحها. وشتان بين الصورة التي أشرت إليها من تلك المدينة الأوروبية، وما يجري عندنا من تزيين لقروض استهلاكية تجر إلى دوامتها من لا يدرك عواقبها.


ali.alamodi@admedia.ae