في كثير من الأحيان تقود النفس صاحبها إلى السوء، وأحياناً أخرى يدفع الشخص ثمن طمعه، ونظره لما بيد غيره، وفي مجملها أمور غير مستحبة، بل مكروهة ومنهيّ عنها، فكما قيل:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على .... حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
إذا ما بحثت وتتبعت ستجد أنّ السواد الأعظم ممن يبلعون الطعم ويقعون في الأفخاخ والشباك هم إما من أصحاب النفوس الضعيفة، الباحثين واللاهثين خلف الدراهم، والمقتّرين بها على أنفسهم وعلى أهلهم، وإن كثرت في أياديهم، لكنهم في الغالب يقعون في شر أعمالهم ويدفعون بدل الدرهم عشرة، وأغلبهم يكونون ضحايا النصب والاحتيال والغش، وما أكثرها في زماننا هذا، أو من الطيّبين الذين لا يخطر في بالهم أن هناك من النصابين من لا يرعون ذمّة.
أحد هؤلاء الطيّبين زميل مشهود له بالطيبة الزائدة التي يراها البعض قريبة من السذاجة، وليسمح لي على هذا الوصف، ولكن ما حكاه لي عزز رأي مَنْ وصفه بالسذاجة، فصاحبنا هذا نزل في أحد الأيام من منزله لجلب سيارته المركونة بالشارع الآخر، وبينما هو يهمّ بركوبها إذ برجل طويل القامة، عريض المنكبين، رشيق القوام، لطيف الهندام، ببدلته الإنجليزية اللامعة والمزينة بمنديل أحمر في الجيب العلوي، وتلك النظارة السوداء التي خلعها فور بدء الحوار، والطريف أن هذا الزميل لا يجيد الإنجليزية كثيراً، مما دفعه للاستعانة بصديق حباً، بل طمعاً بما يحمله هذا الأجنبي في يده.
قصة هذا الأجنبي أنه عرض 6 قطع من الصوف وأقنع زميلنا بأنها قطع نادرة وذات جودة عالية، ولن يجد لها مثيلاً في الأسواق، وأن ما سيدفعه ثمناً للقطع الست ما هو إلا ثمن قطعة واحدة بالسوق، فسال لعُاب صاحبنا وأتم الصفقة بلا تفكير ودون تردد، وأسرع إلى الصراف الآلي لسحب المبلغ المطلوب ودفعه نقداً للأجنبي الذي أوهمه بأن الحاجة فقط هي التي دفعته لبيع سلعته برخص التراب، وأنّ عليه مغادرة الدولة مساء الليلة، وعليه التزامات مالية عاجلة، مباركاً لزميلنا بالصفقة، مضاعفة الأرباح..
حمل زميلنا العزيز “صيده الثمين” وصعد إلى أسرته التي كانت تنتظره للخروج في فسحة، حسب ما وعدهم قبل خروجه لإحضار السيارة، وفور دخوله عرض بضاعته على زوجته، وقال لها أتعرفين ما هذا؟ إنه كنز ثمين، اصطدته للتو، مقابل مبلغ زهيد من أحد الأجانب المضطرين للسفر، و.. فقاطعته زوجته مكملة: وعليه مغادرة الدولة مساء الليلة، وأن ما عليه من التزامات مادية جعله يبيع هذه القطع برخص التراب، فبهت الزوج ، وقال: وما أدراكِ؟
ردت : هي قصة روتها لي إحدى الزميلات، وكنت أرغب في إخبارك بها، ولكنك بادرتني بها..
فأدرك أنه ضحية نصّاب محتال، وتأكد من ذلك بجولة صغيرة في محال بيع القماش.
فمن لهؤلاء؟!


m.eisa@alittihad.ae