بعد عيد الفطر تبدأ المدارس مباشرة، لذلك فإن الشباب والشابات، والصغار والكبار من الأبناء بحاجة إلى إعادة تأهيل وإعادة ترتيب مشاعرهم، ليعودوا إلى النوم باكراً بعد أيام وليال من السهر أمام شاشات التلفزيون حتى الساعات المتأخرة من النهار. المسلسلات التلفزيونية أكلت من أعمارهم الكثير، والبرامج الرمضانية سرقت من طاقاتهم البدنية الشيء الكثير، ولذلك فإن عيونهم التي تعودت على البحلقة وعقولهم التي تمادت في التركيز أمام الشاشات تحتاج إلى زمن لكي يغيروا من العادات وتقاليد السهر، ونسيان شكل الكتاب المدرسي. لا أشك أبداً أن الأيام الأولى من الدراسة ستواجه تغيباً هائلاً لأعداد كبيرة من الطلبة وبخاصة الصغار الذين إن ذهبوا الى المدارس حاملين حقائبهم، فإنهم سيسيرون مرغمين، مغمضين أعينهم، لأنهم تحولوا من واقع إلى آخر، الواقع الجديد يحتاج إلى يقظة وإلى نشاط بدني وذهني، وهذين ما يفتقدهما طلابنا، لأننا تركناهم طوال الأشهر الماضية رهائن بين أيدي من صنعوا بدعة السهر في رمضان وقتل الفراغ، بقتل الرغبة في الانتماء إلى الكتاب. الكتاب سيحل ضيفاً ثقيلاً على طلابنا، وسيكون الصديق غير المحبوب، وغير المرغوب فيه، بل المغضوب عليه.
لا أحمل الطلاب المسؤولية، بل إن المسؤولية تتوزع لدى جهات كثيرة أولاها الوالدان ثم الأجهزة التلفزيونية، إذاً فوزارة التربية والمدارس والمدرسون سوف يواجهون معضلة تكيف الطلبة مع الواقع الجديد، وحتى يتخلص هؤلاء من المسؤولية فإنهم سوف يضخون كمية هائلة من المعلومات في وقت قياسي ينهوا المنهج في وقت محدد وقصير جداً، وعلى الطلبة أن يواجهوا المعضلة بأنفسهم.
أيام عصيبة سوف يواجهها أولياء الأمور الذين لم يحسبوا حساب الأيام ولم يقدروا الظرف الذي سوف يمر به أبناؤهم، سوف نسمع الصراخ المدوي، وسوف نسمع الشكاوى من صعوبة المنهج، وسوف نسمع عن النسب العالية في التأخر الدراسي، كل ذلك لأن الأمور لم تجر بما يناسب ظروف الطلبة، ولأن الحبل تُرك على الغارب، ولأن أولياء الأمور كانوا لاهين في أمور دنياهم ويعتقدون أن الإجازة يجب أن تمضي كما تشتهي سفن الصغار، والصغار لا يقدرون المسؤولية لأن عقولهم
لا تزال خضراء ولا تعرف ماذا تخبئه لهم الأيام، ومضت الإجازة ودخلنا في الساعات القليلة المتبقية من عمر اللهو والعبث، والمدارس سوف تفتح أبوابها، ولكن عقول الأبناء لم تزل مغلقة، ومشاعرهم لم تزل تخزن من مشاهد المسلسلات الطويلة العريضة والمملة إلى درجة القرف. أتصور أن الحل يكمن في مرافقة محلل نفسي لكل طالب حتى نستطيع القضاء على المشكلة.


marafea@emi.ae