يطير الخبر من أقصى مكان إلى أقصاه في مدة لا تتجاوز ثواني بسيطة، صار الخبر أسرع من الحلم في بعض الأحيان، ففي حين يقول العلماء، حسب آخر مكتشفاتهم، إن كل ما يحدث في الحلم لا يستغرق إلا 6 ثوانٍ وإن كل القصص والأفلام العربية التي يخيل لنا أننا نعيشها في الحلم ما هي إلا أوامر يعطيها العقل الباطن المتحكم الرئيس في عملية الأحلام! الحلم لا يستغرق إلا عدة ثوانٍ فقط، ولكن العقل الباطن يوهمك بأنك تحلم طوال الليل؛ ولأن العقل الواعي، ينفذ الأوامر التي تأتيه دون أن يعرف أنها أحلام!
مع ذلك، فالخبر في أيامنا هذه لا يحتاج لأكثر من 3 ثوانٍ ربما ليطير من أوروبا إلى الإمارات، البارحة مثلاً وإثر سقوط طائرة الشحن الأميركية بالقرب من الطريق الخارجي لشارع الإمارات بدبي، فإن الخبر وصلني بعد الإفطار من أحد الأصدقاء في بلد عربي، في الوقت الذي لم انته فيه من صلاتي وإكمال إفطاري، فيما بعد توالت الرسائل عبر الـ”بلاك بيري” عن سقوط مروع وحرائق وضحايا، وفي ثوانٍ بدت المسألة كأنها كارثة جوية.
كنت أقرأ الخبر عبر الرسائل المتتالية، بينما أرسل رسائل إلى أصدقاء صحفيين وطيارين وموظفي مطارات ومسؤولين كي أعرف حقيقة الأمر، لم يكن أحد يرد، ربما لا يملكون معلومة مؤكدة، وربما لا يريدون التورط في الإدلاء بخبر محدد يحسب عليهم، وربما لا يدرون بعد إلى أين وصلت حدود الحادث، وكالعادة فتحت موقع الـ”بي بي سي”، لأجد الخبر مختصراً ودقيقاً بلا تضخيم ولا مبالغات وإشاعات، كان الخبر مختصراً كالتالي: تحطم طائرة شحن على طريق خارج دبي لا أكثر ولا أقل، وعدت إلى صفحة الـ”بي بي سي” لأجد الإضافة التالية: “أفاد مسؤولون في دبي أن طائرة شحن قد تحطمت على طريق الإمارات السريع، بينما أكدت وكالة أنباء الإمارات أنه لم يتضح فيما إذا كان هناك ضحايا، أما قناة العربية التلفزيونية التي تبث من دبي، فقد قالت إن جميع أفراد طاقم الطائرة قد قتلوا. وقد أكدت الوكالة أن الطائرة قد تحطمت في منطقة غير مأهولة”.
نعم يطير الخبر بألف جناح في هذه الأيام، 90% منها غير صحيح، بحيث يختلط الكذب بالإشاعة والخيال، لكن اللوم ليس على مصدري الإشاعة ولا مصنعي الكذب ولا المراهقين الذي يستخدمون الـ”بلاك بيري” والـ”فيس بوك” بشكل خاطئ، فهل يعقل أن تتناقل وسائل الإعلام حولنا خبراً لحادث وقع عندنا بينما وسائل إعلامنا لا تدري عن الموضوع شيئاً، بل حتى لا تشير إليه في شريط الأخبار بشكل مختصر أسفل الشاشة، لحين التأكد من التفاصيل؟ إذن في هذه الحالة فلا لوم على الناس أن يبحثوا عن التفاصيل عبر الـ”بلاك بيري” والقنوات الأخرى..
لا تلوموا الناس إذن طالما لا توجد جهة حاضرة بسرعة البرق أو باختصار الحلم أو بقوة الـ”بلاك بيري” لتعطي التفاصيل أولاً بأول.


ayya-222@hotmail.com