تتأصل بعض المفاهيم والنظرات العقيمة في المجتمع دون أن ندري، نرى معظم الناس يتبنونها ويتعاملون بها برغم خطئها الواضح وإدراكهم الحقيقي له، مفاهيم غريبة لكنها موجودة يتصرف بها الغالبية وعلى أساسها يتخذون مواقفهم. يردد الجميع “ الناس مخابر موب مظاهر” ويقصدون بها أن أخلاق الإنسان هي المقياس الحقيقي لقيمته وليس ما يرتديه أو يستعمله من أمور استهلاكية، مع ذلك جرب أن تركب سيارة عفى على طرازها الزمن، أو حتى جديدة لكنها من إحدى ماركات التجميع الماليزية أو التايوانية، سيارة بسيطة شعارها “ توصلك بالسلامة” لكنها لا تحمل في هيكلها ولا في كابينتها أي أدوات الرفاهية ما عدا مسجل “كاسيت” ومكيف “يفح بعض الهواء عليك”! جرب أن تركبها وتتجول في الشوارع، ستجد كل السيارات الأخرى تنهرك بأصوات “ الهرن” ويجاهر أصحابها بالالتفاف عليك واستباقك للطريق، ولن تستطيع ركنها في أي موقف شاغر لأن الجميع سيسابقك عليه، أما إن وقفت أمام بقالة وفكرت بضغط التنبيه الهوائي فيمكن أن تخرج لك عجوز من بالكونة الطابق الأول لتشتمك ولن يخرج لك عامل البقالة. ستكون “ مصيبتك” أتعس لو كنت ترتدي الغترة والعقال، لأن الكل سيردد “ مواطن وسيارته سكراب” ! ويمكن أن تنعت بألفاظ غريبة أو تحاك عنك خرافات وقصص عن الثروة المخبأة في البنوك ، والبخل الذي تحاسب عليه مرتين بحياة الفقراء في الدنيا، وحساب الأثرياء في الآخرة! هذا التعامل القاسي من المجتمع بسبب سيارتك سيدفعك بلا شك للتوجه إلى أقرب بنك وشراء سيارة فاخرة تدفع نظير فخامتها ثلثي راتبك وتعيش الكفاف بالثلث الباقي، متحملاً كلمات زوجتك السامة عن جوع الصغار، وتعبيرات أمك الساخطة على إطعامك أنت وصغارك دون مقابل، و”نغزات” والدك العجوز الذي ينتظر منك الانفاق عليه كبيراً بعد أن رباك صغيراً. ستركب السيارة الفخمة وستكون اقتصادياً جداً في ملء خزانها بالوقود لأن كلمة “فل” لن يسمعها منك عامل المحطة إلا في اليوم الأول من الشهر، وبمجرد مرور عشرة أيام ستركض لاهثاً للبنك تطلب “كشف راتب” ، أما إذا اقترب رمضان أو العيد أو أي مناسبة ستحاول جهد أيمانك تأجيل القسط. وضعك المادي سيتأزم وأول ما ستفكر به هو تطليق الزوجة اللحوحة بطلبات الصغار، لكنك لن تجازف ببيع السيارة التي تمنحك طلتها الاحترام في الشارع، فلا يمكن أن يسابقك شخص على موقف، وتعيش مرتاحاً من دون أصوات “ الهرنات” ويركض لك عامل البقالة قبل أن تقف أمام بابه. تعامل المجتمع المجحف مع الحقائق واعتماد الناس المبالغ فيه على احترام المظاهر يجلب الويلات على فئات الناس متوسطي الحال، فهم يودون إثبات ذواتهم دون خسارة رواتبهم وعائلاتهم، بينما ينظر إليهم المجتمع نظرة انتقاص مبنية على أشكال سياراتهم التي يركبونها، للأسف ..