راكمت الفلسفات القديمة لدى كل الشعوب مجموعة من الخبرات الروحية التي دفعت الإنسان الى التعامل مع الكون بشكل متناغم. وكان الإنسان في جميع ثقافات العالم القديم يتعامل مع العالم وفق ثلاث منظومات أساسية من تكوينه وهي العقل والجسد والروح وخلق التكامل والتوازن بين هذه المنظومات الثلاث هو ما يكفل للفرد التطور والارتقاء في وعيه ووجوده وأسلوب تعامله مع محيطه. وعلى مدى قرون طويلة طور البشر طرائق مختلفة لفهم العالم من حولهم وحققوا اكتشافات مذهلة في فهم طبيعة النفس البشرية وسبروا أغوارها العميقة ووصل الأمر لدى بعض الثقافات الى تعريف طبيعة كل منظومة على حدة، فهناك الجسد الفيزيائي المادي الذي نعرفه جميعاً والذي مصيره الفناء، وهناك ايضاً الجسد الأثيري غير المرئي، وهناك العقل الذي لا يعرف أحد حتى اليوم كيف يعمل ومن أين تأتيه الأفكار والإلهامات. ونجد في ثقافات الشرق في الهند والصين والتبت الكثير من الطقوس والأفكار التي اهتمت بدراسة وتحليل عناصر القوة في الكامنة في العقل والروح واكتشاف القدرات غير المحدودة للجسد. وفي نفس الوقت قد نجد شبيهاً لهذه الأفكار في ثقافة وتعاليم الفراعنة في أفريقيا وحوض المتوسط ومثلها في ثقافة الشامان في آلاسكا وأميركا. هذه الثقافات الروحية القديمة وجدت من يعيد خلقها من جديد خلال المئة سنة الماضية. والملفت أنها في الماضي كانت تقتصر على شعوب بعينها واحياناً على جماعة معينة مغلقة على نفسها ولا ترغب في كشف معارفها للآخرين بل أن الكثير من هذه الطرق كانت تعتبر سرية، لكن ما حدث ويحدث اليوم هو بحق (ثورة روحية) أخذت تجتاح العالم بأسره بعد أن صارت هذه الثقافات تصب من كل الجهات في بحر واحد شاسع يكبر كل يوم. والنتيجة أن اختلطت الممارسات والطقوس وطرق الارتقاء الروحي وانزوى كثيرون الى تقريب أوجه الشبه بين ما كان يمارسه الحكماء الشامان في العلاج وبين اساليب العلاج باللمس وبالابر في الصين وبين طقوس المتصوفين وطرق المناجاة لديهم وفنون التأمل في الهند. وهناك نظم متكاملة للممارسات الروحية نجدها في الأديان السماوية التي تتفق جميعها على ضرورة خلق التوازن والانسجام بين العناصر التي تكون الإنسان لكي نصل الى مراتب أعلى من تطورنا وفهمنا لهذا الوجود. وفي شهر رمضان يخوض الإنسان المسلم في الكثير من الممارسات الروحية العالية التي تقربه من رؤية الوجه الحقيقي للكون الفاني، وربما يلمس بيديه روعة الانزواء في الوحدة الربانية والانغماس في نورها والتطهر في رياضها. ولو دأب الناس على المحافظة على هذه الطقوس طوال العام وليس في شهر رمضان فقط لتفتحت أمامهم بوابات جديدة من الوعي الذي نحتاجه اليوم بعد أن طغت عناصر المادة على الحياة ونسى الإنسان ان يستغل الكثير من مكامن القوة لديه الى درجة انه أصبح عاجزاً وضعيفاً حتى في مواجهة أقل المحن. akhozam@yahoo.com