الفصاحة في اللغة البيان والظهور، قال الله تعالى: «وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً» (سورة القصص، الآية - 34» وفي الاصطلاح هي عبارة عن الألفاظ ظاهرة المعنى، مألوفة الاستعمال عند العرب. وتكون الفصاحة وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح. نقول إن المتكلم فصيح إذا كان ذا ملَكَة التعبير عن المقصود، بكلام فصيح، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً، بالإضافة إلى الذوق الذي له عظيم الأثر. أجمع العلماء على معنى البلاغة، ولكنهم اختلفوا في معنى الفصاحة لاختلافهم في قضية اللفظ والمعنى، فمنهم من يقول إن الفصاحة مختصة باللفظ، والبلاغة مختصة بالمعنى، أي أن اللفظ يكون فصيحاً ولا يوصف بأنه بليغ إلا إذا كان في جملة تبلغ المعنى المنشود فيصبح بليغاً، أي أنه يقال للفظة فصيحة ولا يقال لها بليغة، بينما الكلام يقال عنه فصيح وبليغ، فالبلاغة على قولهم أعم وأشمل فكل بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغاً، بينما يقول الجرجاني في «دلائل الإعجاز» إن الفصاحة لا تقتصر على الألفاظ، بل هي في المعاني كذلك حيث يقول: «وهل تجدُ أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة إلاَّ وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن مُلاءمة معناها لمعنى جاراتها وفضلَ مؤانَستها لأخواتها. وهل تشكُّ إذا فكرتَ في قولهِ تعالى: (وقِيلَ يَا أرْضُ ابْلَعي ماءَكِ ويا سَمَاءُ أَقْلِعِي وغَيضَ الماءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ واسْتَوَتَ عَلَى الجُودِيَّ وقِيلَ بُعْداً لِلقَوم الظَّالِمين) سورة هود، الآية - 44». فتجَلّى لك منها الإعجاز وبَهَرك الذي تَرى وتسمع! هل ترى لفظة منها بحيث لو أُخذتْ من بين أخواتها وأُفردتْ لأدَّتْ من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها منَ الآية قُل: «ابلعي» واعتَبرْها وحدَها من غير أن تنظرَ إلى ما قبلها وإلى ما بعدَها وكذلك فاعتبرْ سائرَ ما يليها». روي أن رجلاً من بني تميم كانت له ابنة جميلة وكان غيوراً فابتنى لها في داره صومعة، وجعلها فيها، وزوّجها من أكفائه من بني عمها، وأن فتى من كنانة مرّ بالصومعة، فنظر إليها ونظرت إليه، فاشتد وَجْدُ كل واحد منهما بصاحبه ولم يمكنه الوصول إليها، وأنه افتعل بيتاً من الشعْرِ ودعا غلاماً من الحي، فعلمه البيت وقال له: ادخل هذه الدار وأنشد كأنك لاعب، ولا ترفع رأسك ولا تصوبه ولا تومئ في ذلك إلى أحد، ففعل الغلام ما أمر به، وكان زوج الجارية قد أزمع على سفر بعد يوم أو يومين، فأنشد الغلام يقول: لَحَى الله مَنْ يُلحي على الحبِّ أَهْلَه وَمَنْ يمنـعُ النفـس اللجوجَ هَواهَـا قال: فسمعت الجارية ففهمت، فقالت: ألا إنمـــا بيـن التفــــــرُّق ليلــــة وتُعطى نُفُــوس العاشـقينَ مُنَاهَـا قال: فسمعت الأم ففهمت فأنشأت تقول: ألا إِنَّمـــا تَعــنــون ناقــة رحْلِكُــم فَمـَن كانَ ذا نُــوقٍ لديــه رَعَاهَــا قال: فسمع الأب، فأنشأ يقول: فإنَّــا سَــنَرعاها ونُوثِــقُ قَيْدَهـــا ونطـردُ عنهـا الوَحْـشَ حين أَتَاها فسمع الزوج ففهم، فأنشأ يقول: سَمِعتُ الَّذي قُلْتم فهـا أنا مُطَلـقٌ فَتَاتُكـــم مَهجُـــــورةٌ لِبَلاَهَـــــــا قال: فطلقها الزوج وخطبها ذلك الفتى وأرغبهم في المهر فتزوجها. Esmaiel.Hasan@admedia.ae