من يتابع قنوات التلفزيون المصري هذه الأيام يلاحظ تغييراً جذرياً في نوعية الخطاب المقدم، خاصة ذلك الخطاب الذي يأتي من خلال برامج التوك شو الصباحية والمسائية، وكذلك برامج السياسة والرياضة، وبالتأكيد فقد تغيرت التوجهات العامة والخطوط العريضة لنشرات الأخبار وبشكل كامل، بعد أن غابت الوجوه الرسمية والأنشطة المعروفة التي تسيدت النشرة لعقود طويلة، فكانت ولسنوات هي الخبر الرسمي قبل أي خبر، ما حدث في مصر لا يعكسه شيء بقد ما يعكسه ويعبر عنه الإعلام المرئي والمقروء على وجه التحديد.
لقد غابت - خلال تلك السنوات - عن شاشات التلفزيونيات المصرية الرسمية وحتى الخاصة وجوه كثيرة لشخصيات احتسبت على المعارضة، لكنها اليوم تظهر ببساطة لتطرح وجهة نظرها في حاضر ومستقبل مصر، وبوضوح وحرية تامة، ذلك أن الوطن ليس لفئة أو جماعة، إنه وطن الجميع، أما إلى متى سيستمر ذلك؟ فنتمنى أن يتحول إلى وضع دائم وليس مجرد ردة فعل لمرحلة اندفاع مابعد نجاح الثورة.
لقد حرم المصريون لسنوات طويلة من الاستماع إلى هذه الأصوات المخلصة ذات الرؤية الوطنية الصادقة، أصوات تنتمي لتشكيلات فكرية وأطياف سياسية متباينة، أصوات من أهل الفن والسياسة والأدب والرياضة والاقتصاد والقضاء والتعليم وحتى من أهل الطب والعمل الاجتماعي العام، أصوات تنتمي إلى مصر أولاً، لم يكن مرحباً بها أو لم تجد مكاناً لها تحت شمس الإعلام المصري فهاجرت أو سافرت أو انزوت أو ابتعدت، ليصير الإعلام بلون واحد وطعم واحد وصوت واحد.
اليوم يتحدث التلفزيون والإعلام عن ما يسمى في مصر بقائمة العار التي تضم أسماء لمجموعة شهيرة من أهل التمثيل والمغنى من الذين تعلقت بهم الجماهير ورفعتهم إلى مصاف النجوم وأكثر، لأنهم سجلوا مواقف مضادة من ثورة بلادهم ومن ثوارها، خاصة شباب التحرير، حتى أن إحداهن طالبت بأن يسكب عليهن البنزين وأن يحرقن في التحرير، ثم عادت لتعتذر بعد تنحي الرئيس مبررة قولها إنها كانت مغررة !!
لقد حظي كثير من أهل المغنى وأهل التمثيل بدعم فائق من رموز السلطة في مصر حتى كشف مؤخرا عن استغلال نفوذ وعلاقات من قبل هؤلاء الفنانين للحصول على ما ليس من حقهم فوضعوا أيديهم على أملاك وأراض عامة تحت حماية تلك الرموز، لقد تفشى الفساد فوصل الى ساحات الفن الذي ظل أهله يحدثوننا طويلًا حول دور الفن في صياغة الوجدان العام وتوعية الجماهير وتنويرهم ....إلخ فإذا ببعضهم يتحول الى أشكال حقيقية للفساد أو الإفساد بشكل يستحقون معه أن يوضعوا على قائمة العار السوداء.
فحين لا يكون للفن دور نهضوي رائد أو على الأقل دور مؤثر في الارتقاء بالذوق والذائقة، يتحول إلى فساد وعبء على كاهل الوطن لايقل عن فساد السياسيين، وهنا يتوجب على كثير من أهل الفن أي يعلموا حقيقة ربما تكون غائبة عنهم هي أن الجماهير لديها من الحس ما يجعلها تعرف الفنان الجيد والأصيل من غيره، وهي قد تخدع مرة لكنها حين تكتشف الحقيقة لا يمكنها أن تتسامح مع الفاسدين منهم كما لم تتسامح مع أمثالهم من السياسيين..
مسكينة هذه الجماهير كم صنعت من نجوم وكم منحت من ثقة ومجد لمن لا يستحق!!


ayya-222@hotmail.com