تمثل الصحيفة اليومية أهمية كبرى لقطاع كبير من البشر في الألفية الثالثة، فهي ساهمت في تشكيل فكر البشر وأشعلت الثورات التقنية التي انبثقت منها في صراع بين حزبين لا يختلفان في الأهداف، وإنما يختلفان في المفهوم الإدراكي والبصري لتلقي المعلومة، فأنصار المعسكر الجديد يستعرضون قواهم بأنهم قادرون على بث المعلومة أو الخبر بعد حدوثه بثوانٍ إلى العالم كله، وأن الثورة التكنولوجية ساهمت بشكل كبير في التغيير السياسي الذي يشهده العالم الآن، ما يؤكد مقدرة التقنية الحديثة على التغيير، فيما يرى أنصار الحرس القديم أن الصحيفة الورقية ما زالت هي الأهم والأصدق والأكمل والشيء الحقيقي الذي يلمسه ويحسه ويراه إنسان هذا العصر، فهي أكثر من مجرد أوراق. ويذهب أنصار التقنية الحديثة، وما تصاحبها من فنون الرسائل الإلكترونية، إلى أن الثورة في التقنية ستقضي على كل ما هو ورق سواء أكان صحفاً ورقية يومية أم كتباً مطبوعة، وكل ما هو متعلق بالورق من فواتير أو غيرها، وسيكون مصير الصحف الورقية، كمصير الرسائل البريدية الورقية، النسيان والإهمال، وستحول برمتها إلى التاريخ، بل إنهم يذهبون إلى أكثر من ذلك، ويراهنون على أن الأيام المقبلة ستكون عصر التكنولوجيا وعصر العوالم الافتراضية، وكل ماله علاقة بذلك، حتى الأوراق النقدية سيأتي زمن عليها وتنتهي، وتحل محلها أشكال جديدة، وستكون من دون ورق محسوس، وبالفعل بدأت التقنية في ذلك من خلال المشتريات الضخمة، والعدد المتنامي من الذين يشترون لوازمهم، ويسددون فواتيرهم عبر الشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، يعني بـ«البلدي» على حسب إخواننا المصريين يمشي الرجل في الأسواق من دون «محفظة نقود»، ويتسوق ويشتري حاجياته مجرد ما يضرب على أرقام سرية على الموبايل، ويرسلها إلى البائع على شكل رسائل نصية، وبموجبها تتم الموافقة، ويحصل على ما يريد. أما أنصار الحرس القديم من محبي الأوراق وقراءة الصحف الورقية مع قهوة الصباح أو وقت الظهيرة أو في المساء أو متصفحي المعرفة من كتب ومجلات وروايات فيعتقدون بأن الفاصل ما بين المعسكرين، والذي يميز الورق المطبوع، هو الإدراك الحسي الواقعي الملموس، والذي يمهد لرسوخ المعلومات بشكل سريع، ويعكسها الحس إلى العقل، فتجد السعادة نابعة من القلب، وهي النقطة الجوهرية والمفصلية بين الاثنين. كما أن ما يشعر به قارئ الورق المطبوع، من الألفة وتماس الذات لحظة القراءة، نابع من مشاعره الإنسانية، حيث تنشأ صداقة بين القارئ والمطبوعة، أما العوالم الافتراضية الخيالية، التي يعيشها عشاق الشبكة العنكبوتية وهواة قراءة الصحف إلكترونياً وأشكال التعامل بواسطة الإنترنت، هم في الأصل أناس فقدوا هذا الحس عندما يقرأون الجريدة الإلكترونية، فالتاريخ سيسجل أن أصل المعلومات والمكتبات الإلكترونية الضخمة كانت في الأصل على الورق، وهي نسخ لكل ما هو جميل قدمته المطبوعات الورقية على مر تاريخ البشرية. تبقى الإشكالية قائمة ما بين الطرفين، فالجيل القديم الذي تربى على المطالعة واستقاء المعرفة من الكتب والمجلات والصحف المطبوعة ليس من السهل أن يضحي بها بسهولة أمام التقنية الجديدة وعوالم افتراضية لا إحساس بها، فيما ولد الجيل الجديد على عالم مملوء بالمعلومات، ولديه المقدرة على الاستفادة منها، ما يعني أن الإشكالية كلها مرتبطة بالعادة، فهي أصل الأشياء بين الطرفين، وتكرر هذا الجدل في السابق مع ظهور الإذاعة، وقال خبراء إن ذلك يسحب من رصيد الصحف والكتب، ثم تكرر مرة أخرى مع ظهور التلفزيون ومع انتشار الفضائيات، لكنْ ظلت الصحف الورقية والكتب هي الأصل على الرغم من أن وسائل المعرفة التكنولوجية أقل كلفة. إبراهيم العسم