بالأمس، وفي زاوية بعيدة من الصالة الكبرى بمركز أبوظبي الدولي للمعارض، وقف الصغير حمد عيسى البلوشي. يرقب من بعيد.. يتقدم حيناً ويتراجع أحياناً أخرى.. بدا لبعض الوقت أنه يطارد شيئاً ما، أكبر من ميدالية في بطولة الأشبال المقامة على هامش بطولة العالم لمحترفي الجو جيتسو التي تستضيفها العاصمة أبوظبي بمشاركة أبطال 47 دولة حول العالم. انتبهنا إلى الفتى، لكننا لم نفطن كثيراً لما يفكر فيه.. ظنناه يبحث عن زميل أو مدرب.. انتبهنا أيضاً لكونه نموذجاً في تحدي الإعاقة، وأكبرنا فيه حماسته التي قادته ليكون على بساط المنافسة، وتساءلنا لبعض الوقت، كيف فعلها؟.. كيف بات منافساً وحصل على ميدالية، ونحن من ندعي الصحة، ترتعد أوصالنا فقط لمجرد المشاهدة. وشيئاً فشيئاً، وضح أن حمد عيسى اتخذ قراره، فتقدم صوب المنصة الرئيسية، ينشد تحقيق الأمنية التي تشغله منذ الصباح، كحلم لاح منذ ساعات الليل الذي مضى لتوه، ويسعى لتحقيقه.. إنه يريد لقاء الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقبل أن تدخل الأمنية في حسابات الممكن أو اللا ممكن، لمحه سموه من بعيد، فقام من مجلسه وتقدم إليه، وكأن سموه يرحب بهذا القادم.. يلتقفه في حنان الأب.. يسلم عليه، ويقبل رأسه، ويستمع إليه في ود وعفوية شديدة، هي عنوان سموه الدائم، وهي التي توجته أميراً للقلوب. ونسأل الفتى: ماذا كنت تريد من سموه، ويجيب ببساطة: أبداً.. أردت من سموه أن يكرمني مع زملائي من مدرسة سعد بن معاذ، ونعود لنسأله: وماذا قال لك سموه؟، ويرد حمد بسؤال يختزل المشاعر والسمات: وهل سألناه يوماً ورفض. تلك كانت القصة التي استحوذت على الأنظار أمس في افتتاح بطولة العالم للجو جيتسو.. أما تفاصيل الوقت الذي قضاه سموه، فهو أعمق وأبعد من حسابات الزمن الضيقة.. وحين تحسبه، لابد وأن تسترعيك في مسيرة تلك اللعبة، دعم سموه اللا محدود لها، والذي كان نقطة التحول الكبرى في مسيرتها، وهو الدعم الذي اختزل العديد من السنوات فبات اليوم يساوي عاماً، وبعد أن حلت اللعبة على الإمارات تنشد ساحة جديدة، تحولت عاصمتنا بعد فترة قصيرة إلى عاصمة لهذه الرياضة على مستوى العالم، لتصبح الجو جيتسو رياضة أساسية داخل الحدود، ثم سرعان ما تخترق الحدود لتزدهر عالمياً، حاملة اسم العاصمة للعالم. وما حدث مع الجو جيتسو يمثل نموذجاً يحتذى في غيره من الرياضات، فقد قدمت هذه الرياضة تحت مسمى «الجو جيتسو البرازيلية» وسرعان ما ارتدت ثوباً عربياً بفضل دعم ورعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي مهد للنجاح التربة الخصبة، لتنطلق اللعبة إلى آفاق رحبة، وما تحقق لها في أبوظبي قد يفوق ما توافر لها عبر سنوات عمرها الطويل. بالأمس، قدم سموه - مثلما هو عهدنا به كل يوم- الكثير من الدروس.. دروس في السلوك، ودروس في العمل.. احتضن في أحد أبنائنا كل الوطن، وكل من يعمل، وكل من لا يعترف بإعاقة أو حجر عثرة، وقبَّل فيه الإمارات من أقصاها إلى أقصاها، وبالأمس، وحين رأينا 47 دولة من حول العالم تقف في استعراض الفرق، بينما نشيدنا الوطني يتردد صداه أدركنا كيف كان سموه يستشرف آفاق المستقبل، وهو يفتح الأبواب أمام «الجو جيتسو»، فسموه يعرف، ماذا يريد العالم، وماذا نريد نحن. كلمة أخيرة أحلامنا يحققها الكبار، وأحلام الكبار فينا ومن أجلنا mohamed.albade@admedia.ae