ترى ما الذي يعنيكم في كلمة «كلمنجارو»، وهل تعرفون موقعها تحديدا، أكنتم تظنون أنها إحدى قمم جبال الألب أو أن ثقافتكم مرتفعة، لدرجة إدراك أن «كلمنجارو» هي أعلى قمم قارة إفريقيا. ما المثير في هذه القمة غير ارتفاعها وصعوبة الوصول إليها، كيف صارت بين عشية وضحاها قبلة الراغبين في الشهرة؟ أستغرب الهوس الذي ضرب الناس مؤخرا بالوصول إلى قمم العالم وأسقفها المختلفة، ويشتد استغرابي عندما أرى فتاة ترتدي معطفها لتواجه الأعاصير والصخور وغيرها من عقبات الطبيعة كي تصل للقمة وتعود إلى الإمارات فرحة بإنجازها «الشخصي» وتود تسويقه في وسائل الإعلام. تختلف وجهة نظري حتما عندما تكون تلك الرحلة رحلة بحث ميداني لأغراض البيئة – كالرحلة التي قام بها الإماراتي تريم الصبيحي للقطب الجنوبي- فالبحث العلمي يستحق الاحترام والدعم، لكن الرحلات الشخصية التي يقوم بها البعض باحثا عن الشهرة ليست سوى هواية في وقت الفراغ تجلب مجدا مؤقتا يودون بها الحصول على لقب « أول إماراتي». هواة البحث عن المجد والشهرة صادفتهم كثيرا في عملي، شبان يسخرون طاقات جبارة لخدمة حلم الشهرة، لا ينجزون فعلا ما يستحق الإنجاز، لكنهم يلهثون وراء الإعلام ووسائله، بينما المجتهدون الذين يقومون بفتوحات علمية من المواطنين ينكبون على دراساتهم في صمت، وربما لا نعرف قوة إنجازاتهم إلا بعد وفاتهم كما حصل مع الطبيب الإماراتي أحمد عبدالكريم. من الناس من يحاول الظهور في الضوء، لمجرد أن يرى صورته على صفحات الجرائد، فتجده يقتحم مجالا ليس بمجاله، ويكلفه ذلك الغالي والنفيس من المال والصحة، كإحداهن التي عملت على خسارة 30 كيلو جراما من وزنها خلال شهرين لتدخل عالم عرض الأزياء، لمجرد أنها تود أن تحمل لقب «أول عارضة» فصدمت بمن سبقتها. هناك أخرى عمدت إلى تعلم قيادة الشاحنات، وهي تؤكد أنها لا تحتاج إلى هذا العمل، لكنها فقط تود اقتحام المجال وصدمت هي الأخرى بمن سبقتها، هناك كثيرون وكثيرات «تحديدا» يركبن موجة الصعب ليصلن إلى الشهرة، فقط الشهرة ولا شيء سواها. كنت فخورة بوطنيتي حين صادفت طبيبة إماراتية في مستشفى ألماني بميونخ، إماراتية تعمل وتجتهد وتنجز، جراحة في مجال نادر أشعرني مبضع الجراحة في يدها بالفخر، أما عارضات الأزياء ومنافسات الرجال لم أشعر إزاءهن إلا بالاستغراب. حين أتذكر نماذج الإماراتيين الأوائل الذين أبدعوا وأضافوا وغيروا، أتحسر على الفكر السائد الآن، لقد تفوقوا في المجالات العلمية والعملية، فحملوا لقب الأول لأنهم سعوا للتميز الحقيقي، للإضافة التي تحرك سكون الفكر وتغير وجه الواقع، تسلقوا قمم الصعب وتحملوا برد المستحيل، أولئك هم الذين أنجزوا حقا، لم ينتظروا ألقابا ولم يحلموا بها، كان همهم الوطن والإنجاز، فكانوا إضافة فعلية تستحق الظهور في برنامج « حدث في مثل هذا اليوم».