يحل بيننا ضيف عزيز غال، هو أفضل وأبرك شهور العام، شهر رمضان المبارك الذي خصه الخالق عز وجل بأن أنزل فيه الفرقان، وجعل من بين لياليه الأخيرة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار. شهر غني بالخيرات والبركات، ومع هذا يشهد منا تجريداً من كل معانيه ومظاهره الروحية العظيمة، وأصبح بالنسبة لنا شهر الكسل وتعطيل مصالح الناس، شهر للأكل واستعراض ما تضم الموائد من أطايب الطعام، وشهر لخيام السهر والشيشة والأعمال التلفزيونية التي تصيبنا بتخمة غير فنية، تجعلنا نعتقد ان التلفزيونات ستنقرض مع نهاية الشهر الكريم، والا ما سر هذا السباق والإصرار العجيب الغريب من شركات الإنتاج والفضائيات على عرض الاعمال خلال ليالي الشهر الفضيل؟!.
نشارك جميعاً في استلاب المعاني السامية ونزعها من رمضان بممارسات بعيدة كل البعد من الغايات والأبعاد التي تحملها رسالة الصيام. أمس الأول كنت في مسلخ الجمهور بأبوظبي، كان الازدحام على اشده كما لو كان يوم النحر، والطبيب الوحيد في المسلخ لا يكاد يلتقط أنفاسه لسرعة تنقله بين الذبائح المعلقة في القاعتين. ازدحام فوق المعتاد رغم أن البلدية غمرتنا بإعلاناتها وهي تبلغ الجمهور بمواعيد عمل المسالخ التابعة لها والتي تمتد ساعات عملها حتى الثانية صباحاً!!. ومع هذا نصر على افتعال الازدحام في المسالخ وأسواق البيع كما لو انه من طقوس استقبال رمضان. ولا غرابة اذن في استغلال التجار بدورهم لحمى الشراء هذه لرفع الأسعار الذي أججه في أسواق المواشي هذا العام ايضاً قلة المعروض جراء احتجاز شحنات من الأغنام للتأكد من خلوها من أمراض وأوبئة ظهرت في بعض البلدان المصدرة.
المشهد في الأسواق والجمعيات التعاونية ومنافذ البيع بالتجزئة في المراكز التجارية يحمل ذات الصور التي نصر على ربطها بشهر كريم فضيل، فالعربات كانت تئن من فرط ما تم تحميله بها من أطعمة متنوعة، كما لو أن الأيام التالية ستختفي من أسواقنا، ولن نجد لها بديلاً. والأصوات ترتفع وتحتد بين أولئك الذين كانوا يتخاطفون السلع، كما لو أنها توزع مجاناً.
محطاتنا الفضائية غمرتنا بإعلاناتها عن الاعمال الحصرية التي ستعرض على شاشاتها، بحيث قدرها البعض بأكثر من مائة ساعة يومياً، وهي من الطول بحيث لا احد يستطيع ملاحقتها حتى لو قرر البقاء في منزله مسمراً أمام جهاز التلفزيون. واعلانات الخيام الرمضانية تحاصرنا ايضاً بجديد نكهات الشيشة التي اعدتها ايضا خصيصاً للمناسبة مع استعراضات لنخبة من الفنانين
و”الحكواتية”!!. هذا هو رمضان كما يرونه، وهو كما ترون بعيداً عن رسالة التطهر الروحي والسمو بالنفس التي يحملها شهر الصيام والفرقان الذي نسأل الله أن يوفقنا لحسن صيامه وقيامه، بعيداً عن اللهو واللغو وتعطيل مصالح الناس بحجة الصيام. وعلينا اغتنام هذا الشهر الكريم بحسن الإقبال على بيوت الله والاستفادة من مكرمة تتجدد كل عام بلقاء علماء أجلاء ضيوف صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، يحاضرون بيننا طيلة أيام الشهر الكريم في مختلف مناطق البلاد، ومبارك عليكم الشهر، ورمضان كريم، وكتبنا الله وإياكم من المقبولين فيه.



ali.alamodi@admedia.ae