إسرائيل تمثل طفلاً عدوانياً عجز المحيطون به عن الشكوى والنجوى، لذلك صارت اعتداءاتها ليست على فلسطين فحسب، بل تجاوزت ذلك لتصل هذه الذراع الطويلة إلى بورتسودان في شرق السودان. الطفل العدواني لا ينشأ بالفطرة، وهو يحمل هذه الجينات العدائية للآخر، وإنما لأن سوء التعامل مع التصرفات الشاذة من قبل المحيطين هي التي تؤدي إلى تنامي الروح العدوانية، تمادي الشخص في ارتكاب كل ما يؤذي الآخر. وإسرائيل لا تلعب في الفراغ، ولا تعبث بفضاء خالٍ من الكويكبات المتناثرة والمبعثرة، والمتناحرة، ما جعل مهمة إسرائيل سهلة، في طمس الحقائق أمام أعين الناس وممارسة الطلاسم في نشر عدوانها شرقاً وغرباً.. خبر السودان يقول إن إسرائيل قصفت سيارة تقل مدنيين قادمين من المطار. والصحف الإسرائيلية علقت على الخبر بأن العملية كانت ضمن ملاحقات إسرائيل لمطلوبين في أفريقيا.
إذا كان الأمر كما بثته الصحف الإسرائيلي، فإن السودان ليست الدولة الوحيدة في أفريقيا، والتي تقع تحت طائلة الذراع الإسرائيلية، فهناك دول في أفريقيا أقل مساحة وسكاناً ومكانة وقدرات لم تتجرأ إسرائيل على الوصول إليها، فإذاً فالمسألة تحمل رسالة نصية مفادها أن ذراع إسرائيل لن تكتفي بـ “تأديب” الفلسطينيين الذين يقطنون تحت خاصرتها، بل إنها قادرة على ضرب الأبعد، إذا اقتضت الحاجة، وإسرائيل لا تفعل ذلك إلا لأنها تعرف مستوى الرد من أي دولة عربية، فهي تضرب في لبنان، وضربت ما سمي بمفاعل نووي في سوريا، وستضرب في أي مكان على الخريطة العربية، لأن المثل يقول: “قال من أمرك.. قال من نهاك”. فإذا كانت دولة مثل السودان لا تستطيع أن تفعل شيئاً حيال هذا العدوان غير الشجب والاستنكار، ثم الصمت، والسودان تعتبر قارة بالنسبة لإسرائيل، ولكن إسرائيل هي الأقوى، وهي الباطشة والغادرة، لأنها على يقين من الردود، وعلى معرفة قريبة ودقيقة جداً بقوة رد فعل أي دولة عربية. وإسرائيل على مقربة من المقولة “إن العالم لا يستمع إلا إلى طرقات الأخف الثقيلة”. القوة وحدها التي تستطيع أن تسمع إسرائيل صوتها، أما نحن فما زلنا في زلازلنا الداخلية وحروبنا الطاحنة، وكل ما نملك من قدرات فهي مُسخرة لأجل المعارضات الوهمية والكراسي الثابتة ثبوت الجبال. فلن تبالي إسرائيل، ولن تستمع إلى أصوات الاستغاثة، بل ستمارس حقها في التعبير عن عدوانيتها، وسطوتها إلى أبد الآبدين، وإلى أن تتغير الأيديولوجيات التي تريد أن تصدر ثورتها للخارج وهي لم تزل تغص بحروب قبلية وطائفية وعرقية بغيضة. فإسرائيل دويلة صارت “كوبرا”، ونحن وتاريخنا وجغرافيتنا وما نختزنه من طاقات مادية وبشرية لم نزل بعد نرفع يد الاستغاثة، لعل وعسى يرحمنا من في قلبه رحمة، وعالم اليوم لا يحترم إلا الأقوياء.


marafea@emi.ae