تنقلت خلال الأسابيع القليلة الماضية في مدن أجنبية عدة لم أشاهد خلالها أي محطة فضائية عربية، لعدم توافرها، وبالتالي تركزت متابعتي الإخبارية على فضائيات عالمية، كان أغلبها تتصدر نشراته الإخبارية قضية التلوث البيئي الهائل الذي تسببت به شركة “بي بي” البريطانية في خليج المكسيك، وإعلان مديرها العام الاستقالة. كان الموضوع تقريباً الخبر الأول في النشرات الإخبارية في المحطات الإخبارية الأميركية والبريطانية على حد سواء. فالبلدان معنيان مباشرة بالأزمة رغم آلاف الأميال التي تفصل بينهما. فالأمر بالنسبة للأميركيين تحد ضخم في وجه إدارة أوباما على الصعيدين البيئي والاقتصادي، وهو بالنسبة للبريطانيين يحمل متاعب إضافية لاقتصادهم الواهن جراء مليارات الدولارات التي ترتبت على شركتهم العتيدة.
ومن على بعد ايضاً كنت أتابع عبر “النت” الجدل الذي تفجر عندنا بعد إعلان هيئة تنظيم الاتصالات تعليق خدمة “بلاكبيري”، وكانت تصلني عبر بريدي الإلكتروني دعوات المؤتمر الصحفي الذي أقامته الهيئة، وكذلك البيان الصحفي الذي أصدرته عقب اعلان القرار، وما استتبعه من جدل دخلت على طرفه الخارجية الأميركية، وأقرت معه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بوجود مخاوف وتساؤلات يجب الرد عليها. والواقع أن الهيئة كان يفترض بها الوضوح وهي تعلن قرار التعليق بأن الأمر ليس لمخالفة الإجراءات التنظيمية، وإنما لوجود أبعاد أخرى على صلة بأمن البلاد، والذي له الأولوية والاعتبار الأول والأخير أمام أي اعتبارات أخرى. وان الشركة المنتجة ترفض التجاوب مع المتطلبات التنظيمية التي حددتها الدولة، الأمر الذي كان سيجعل الكل يتضامن ويقف مع القرار منذ الوهلة الأولى، بدلاً من تصوير القرار بأنه يتعلق بوقف خدمات لمجرد تبادل الرسائل و”الشات” بين المراهقين. في تقزيم وتبسيط للقضية، واستهانة بقدرات تقنيات حديثة والخطورة التي قد تمثلها عندما تنحرف عن الأهداف التي وضعت من أجلها، وجعلت من العالم قرية صغيرة بالفعل تشابكت فيها المصالح والمنافع. ولا يفوتنا هنا تحية موفري الخدمات لدينا الذين بادروا لطمأنة الجمهور لوجود البدائل خلال الفترة الانتقالية قبل توديع خدمات “البلاكبيري”.
وشخصياً أراهن على نجاح المفاوضات الجارية مع الشركة المنتجة والتي ستقود لانفراجة حقيقية قبل انتهاء مهلة التعليق في أكتوبر المقبل. فكل شركة همها في المقام الأول تحقيق الأرباح، وهي ليست على استعداد لخسارة سوق ضخمة كسوق منطقتنا الخليجية التي تضم هذا العدد الكبير من مقتني الهواتف النقالة. ولعل بوادر استجابة وتفاعل الشركة المنتجة ظهرت في المفاوضات التي أجرتها مع الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية الشقيقة. لا سيما وان الشركات المنافسة لها تطرح هواتف ذكية مماثلة لما تنتجه، وفي الوقت ذاته تتوافق مع المتطلبات والاشتراطات التنظيمية التي تضعها الدولة وغيرها من دول المنطقة. فالشركات التجارية هذه والدول التي تقف خلفها تضع مصالحها ومبيعات منتجاتها نصب عينيها دائماً. ومن حق الدول المستوردة أن تتخذ الإجراءات التي تصون مصالحها ايضاً، فما بالك عندما يتعلق الأمر بمسائل على صلة مباشرة بحماية الأمن والاستقرار فيها وصون النسيج الاجتماعي ومنظمة القيم والموروث الثقافي فيها. وبالإمكان الاستفادة والاستمتاع بما تقدمه تلك التقنيات والأجهزة بشروطنا ومتطلباتنا لأننا المشتري أو المستهلك، وفي مقدمة قواعد الاقتصاد الحر أن “الزبون.. دائما على حق”!!.


ali.alamodi@admedia.ae