الكثير من الأمهات اليوم يعانين من جفاء الأبناء وبعدهم عن العلاقة الحميمة والطبيعية التي يجب أن تربط الابن بأمه، وتشتكي الكثير من الأمهات من جفاف العاطفة لدى صغارهن وأحياناً عدوانيتهم تجاه الأمهات، عدوانية شرسة قد تصل إلى مد الأيدي للانتقام والتعبير عن العلاقة الهامشية التي لا يسودها ود ولا سد وجد.
فالأم الرشيقة التي أرادت أن تحافظ على أناقتها ولباقتها ولياقتها أمام بعلها المتلصص في التفاصيل والمتبين للتضاريس وكذلك لتتباهى أمام الصديقات والجارات وزميلات العمل بأنه رغم العمل والإنجاب لأكثر من طفل إلا أنها لم تزل تحتفظ بالبريق الأنيق والجسد الرشيق والقوام الذي يسكر الزوج ويجعله يتغنى باسمها ويغرد بالأناشيد لأجلها لأنها زوجة رائعة ومبدعة وممتعة تأسره بعيونها فلا يستطيع النظر إلى أخرى، تفتنه بخصرها الناحل ولا يستطيع أن يغازل أخرى، تطوقه بمحسنات بديعية ربانية تجعله دائماً يدور في فلكها ولا يفارق إلا قبل أن يعانق، ولا يغادر المنزل إلا قبل أن يشبع عينيه بنظرات تلهمه نجاحاً في عمله، ولا يصفق الباب إلا بعد أن يرشف ابتسامة عذبة من مبسم أعذب.. كل هذا تجتهد المرأة من أجله وهذا حق شرعي وإنساني وأخلاقي لا بد منه ولكن الحقوق الشرعية لا تلغي حقوقاً شرعية أخرى أهم وأجل ومن أهمها حق الرضيع في أن ينهل أخلاقه الفطرية من صدر أمه وأن يلامس جسدها ويحس بدفئها ويشعر بحنانها من خلال دفقات الحليب السحري الذي منه يستشف الرضيع معنى الحياة ومغزى العلاقة بين الابن وأمه.
فالأمومة صناعة فطرية تاريخية لا يمكن لموضة أو صرعة حداثية أن تطغى عليها وتقصيها من الوجود وتحيل العلاقة الإنسانية إلى وسيلة للتكاثر الصيروري فحسب دون مراعاة البعد الإنساني لهذه العلاقة، فكيف تسنى لعارضة الأزياء البرازيلية جيزيل بوندش أن تطالب بسن قانون عالمي يلزم الأمهات بالرضاعة الطبيعية على الأقل لمدة ستة أشهر وبوندش عارضة ونجمة مشهورة وفي سن الثلاثين من عمرها لكنها لم تتخل أخلاقياً ولا إنسانياً عن حقوق الطفل الذي يأتي من دماء الأمهات وماء قلوبهن.
فلا الرشاقة ولا النجومية ولا أوهام الجمال دعت البرازيلية الشهيرة إلى مناهضة الحقيقة، بل إنها أذعنت لها مقتنعة راسخة بأن الرضاعة الطبيعية صحة لبدن المرأة كما أنها غذاء عافية للطفل.. مخالفة قوانين الطبيعة هي الأعراض والأمراض التي تفشت وانتشرت في عصرنا الحديث وكثير من الدراسات أشارت إلى أن سرطان الثدي له علاقة بأمراض الرضاعة غير الطبيعية وأن الأمهات غير المرضعات معرضات أكثر من سواهن للإصابة بالأمراض الخبيثة.


marafea@emi.ae