مثلما ينبعث على صهوة الشعر قادماً متجدداً، بلوري المنبت شفافاً، ينفض الشاعر بن حاضر سنواته لكي يكشف عن مدار رقيّه الشعري.. ففضاء الشاعر يقف على جمال الألفاظ وسمو القافية، كأنها تخرج درراً من أعماق الشاعر. مفعماً بالسجية، مغرماً بالفطرة الأدبية، متقلداً تلك السمات المتوارثة والمتوازية من التجليات المتأصلة برائحة الخصوصية الشعرية. محيط الشاعر بن حاضر وفضاؤه الشعري المعاصر أقرب إلى الشاعر الآخر الجميل مانع العتيبة، وكلاهما من معالمهما التصنيف ذو القيمة الحرة ويتصف شعرهما بالبروز كهوية ينبع منها الشموخ، لأن فيهما تتأصل الاشتقاقات من الواقعية الشعرية المتجددة والمتفردة بالنضج الشعري المتم لهوية الرسالة المراد منها بلورة الحياة على نهج من الشفافية. وددت لو أن مفاتيح المعرفة بيننا لاذت بالتساؤل بما فيه الكفاية، وقد اعتدنا زمناً على صوته الشعري، وتملك منا شعره وهو على قمة الحضور، فأضفى بهاؤه على الساحة سحراً وثراء، فكان من المثابرين على العطاء الجميل والثمين، ثم اكتفى تاركاً الساحة ردحاً من الزمن، في وقت كان الثمين لا يكتسي بالوفرة بينما المبتذل ينسج خيوطه متسلقاً القامات. لاشك أن رحلة الشعر الإماراتي قد أفرزت شعراء وطائفة من الفنيات الشعرية المختلفة، وكذلك انتماءات شعرية جميلة، أحدثت ذائقة جديدة، فأصبحنا وكأننا أمام بستان جميل تلازمه موسيقاه وتظلله قامات حاضرة استمدت مجدها من الشعراء المنتمين للمكان وللماضي، تنتسب بكل حرف إلى جغرافيا المكان وتحصد رؤى متراكمة من الفنيات، فلا تراها ترسم طقوساً مجردة من الروح بل هي المعنى الفعلي لمسألة الانتساب إلى الشعر الإماراتي. وهو ما كانه، وما فعله بن حاضر الذي أرسى نوعاً من التلازم مع الإرث الشعري ينسج به روائعه ويجسد مكانته. فالشاعر محمد بن حاضر يحتفل بالشعر وحده، أو هكذا تحس حين تقرأ صوته الشعري وهو يمتد وكأنه لا يمكن لنفس الشعري أن يحيد أو أن يتوقف، أو لا يمكن للقصيدة أن تشارف على النهاية، كلمات ثرية ولغة تصبو إلى السهل الممتنع، ترسو على ضفاف القارئ، قادمة من الأعماق بصدق المتحدث، تحاور المتلقي بهدف التأصل في الذاكرة. لا أذكر للشاعر بن حاضر ديواناً شعرياً، ولربما هناك مخطوطات وكتابات شعرية لدى الشاعر من الأجدر أن ترى النور وأن تثري الساحة الثقافية، ومن واجبات المؤسسات الثقافية بالدولة أن تبادر إلى إصدار يضم هذا النسيج الشعري العالي بكل حروفه النقية والرصينة، فالشاعر بما يقدمه يستحق منها الوفاء، فلا يمكن أن تتجاهل الساحة كثيراً تكريمه، والأمر نفسه ينطبق على الشاعر مانع سعيد العتيبة صاحب القامة الشعرية والأدبية المرموقة.