وقع مجموعة من مواطني الإمارات منذ فترة على عريضة احتوت مطالب تتعلق بدور المجلس الوطني والعملية الانتخابية.. إلخ، القيادة السياسية كانت سباقة لتبنيها منذ سنوات، عندما أعلنت برنامجها في هذا الخصوص، مع ذلك فإن علينا الإقرار بأن توقيت رفع العريضة - من وجهة نظري - جاء خاطئاً من حيث توازيه مع ظرف سياسي عربي غاية في التعقيد والخطورة، أقول ذلك وأنا على قناعة تامة بأن أمن الإمارات وسياقات الأزمات التي تعصف بكثير من المجتمعات كان يستدعي منا جميعاً أن نفكر ألف مرة قبل أن ندفع بالعريضة في هذا التوقيت وقبل أن يتعجل آخرون - لأسباب لانعلمها - بالدفع بها إلى الإنترنت وقنوات الإعلام المختلفة.
ما من شك في أن مطالب الإصلاح بشكل عام قد وجدت مناخاً رحباً في بلداننا العربية من حيث تداولها علانية، وتبني طروحاتها بشكل أو بآخر، وعندنا هنا في الإمارات فقد بدأ التوجه نحو المشاركة والتمكين منذ عدة سنوات حتى وإن بدت خطواته للبعض هادئة، إلا أن في هذا الهدوء ما يوفر للإمارات الكثير من المنزلقات التي نحن جميعاً في غنى عنها، مع تأكيدنا على أن كل المطالب التي تصب في رفعة وتقدم الإمارات وطناً ومجتمعاً وإنساناً هي مطالب محل اتفاق لا خلاف عليها بين القيادة والشعب.
لقد أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، عن برنامج تطوير متدرج للمجلس الوطني من حيث هياكله التنظيمية ودوره التشريعي في الحياة السياسية في الإمارات، كان ذلك بنهاية عام 2005 وبداية عام 2006 الذي دشن بداية تنفيذ ذلك البرنامج، وها نحن اليوم نعبر إلى استحقاق المرحلة التالية وسط أوضاع إقليمية وعالمية معقدة ومقلقة وبما يكفي لأن تجعلنا أكثر حيطة وحذراً، وعندنا بحمد الله وفضله الكثير مما يدفعنا لهذا الحذر.
إن أي تحرك أو خطوة سياسية في أي اتجاه اليوم يتوجب أن تكون دقيقة ومحسوبة باتجاه الهدف وبعينين إحداهما على مصالح الإمارات وأمنها الداخلي، والعين الأخرى على كل ما يحيط بنا ويحدث حولنا في الدول العربية الأخرى التي تتعرض لهزات عنيفة يبدو أن ظاهرها فيه الإصلاح، بينما مؤشرات التخريب والتقسيم والتشرذم واضحة وضوح العين، وهذا مالا نريده ولا نتمناه.
إن الأمن والأمان الذي تنعم به الإمارات اليوم هو في المقام الأول منجزنا الكبير الذي نفخر به ولسنا على استعداد للتضحية به أياً كانت الأسباب، فها هي مجتمعات ضحت بأمنها وأمانها تحت شعارات مختلفة انتهى بها الحال إلى صراعات وحروب وانقسامات لا يبدو في الأفق أنها ستنتهي لمصلحة الشعوب، وهي إن انتهت في ذلك القُطر أو ذاك فلن تكون النهاية إلا نماذج شبيهة بالعراق، والذي تحصده قنابل الطائفية أو السودان الذي استسلم للتقسيم مرغماً أو الصومال الذي فتته الحروب، أو ليبيا التي تتجه للمجهول، كما يبدو.
لقد كنا ولا نزال نفاخر بوحدة دولتنا وبمنجز أمننا واستقرارنا، وبنموذجنا الخاص الذي نسعى لتطويره وتقوية دعائمه يوماً بعد يوم بهدوء وبُعد نظر دون أي محاولة لتقليد أي نموذج من النماذج المحيطة بنا والتي لم يبد أنها نجحت في بلدانها بدليل القلاقل وتعطل المشاريع وتأخر التنمية وشيوع الفساد والصراعات، وعليه فإن بناء نموذجنا الخاص هو في نهاية الأمر حق مشروع للحفاظ على كل ما أنجزناه بحرص وجهد وبكلفة عالية خلال السنوات الأربعين الماضية.


ayya-222@hotmail.com