لعل الكثير منكم يتذكر كيف كانت نشرة الأخبار المصورة تعرض قبل بداية عرض الفيلم في السينما، وتظل فترة طويلة حتى تتغير حينما لم تكن هناك تلفزيونات ولا قنوات بث، وعادة ما تكون هذه الأخبار تغطي الحرب العالمية الثانية وأخبار التحالفات والحرب الباردة والأزمات وحرب فيتنام والعدوان الثلاثي والحروب العربية الإسرائيلية وغيرها من جرائم البشر في حق الإنسان وحق حضارته على الأرض، وكان يقوم بهذا العمل الإعلامي الإخباري التسجيلي مراسلون في الميدان يعرقون ويقدمون دماءهم أو يقتلون، ثم جاء وقت حينما بدأت الآلة الإعلامية تكبر وتدخل بيوت الناس دون استئذان وأصبحت تنقل هذه المعارك مباشرة إلى غرفهم بحيث يتفرجون أحياناً على تفجير مساكن أهلهم أو يشاهدون ماذا سيحل بعاصمتهم من دمار، واليوم وحينما تعملقت وسائل الإعلام أصبحت ضرورة وإدمانا، وتسيدت المواقف وأصبحت ذات تأثير حتى على أصحاب القرار وصنّاعه والجماهير، بل في الآونة الأخيرة ظهرت تقود الناس لتصحيح مسارات في نظام دولهم وهيكلياتها بل وتغير تاريخها.
حديثي منصب على وسائل الإعلام الغربية تلك التي تملك صناعة الإعلام، وتخطط في التغيير، وتتبنى المواقف، وتخلق الحدث وتشارك في صنع التاريخ، لا عن الإعلام العربي لأنه إعلام بني على خطأ تاريخي في استيعاب المفهوم، فكل تجاربه الإعلامية الرسمية بدأت بكونها سلطوية وتديرها سلطات إما جاءت على دبابة انقلاب أو على خطوات “مارش” عسكري، وبالتالي كل الجهود والمصروفات والتجارب الهزيلة ذهبت هباء، لأن الأساس كان خطأ، والسنوات لم تزدها حكمة وإبداعاً بل راكمت سنوات عديدة من الفشل، ولأنها تعلمت منذ البداية أن تنحاز للقادم، الشخص، الفرد، المتحول، وتساند خطبه الإصلاحية، وثورته الكلامية، ولا تنحاز للوطن الثابت، والقانون والعدل والناس والحضارة، رأينا الإعلام العربي يهزم النظام قبل أن ينهزم، ويجعل منه مادة للسخرية بغباء ما يطرح في هذا الزمن المكشوف والمرئي والشفاف، رأينا الإعلام العربي الرسمي في بعض دولنا أول الخائفين من زلزال لم يقدروا حجمه وتداعياته، وأول الجاهلين بما ستسير وتصير عليها الأمور، وأول الهاربين من الساحة وتركها مستباحة للآخرين لكي يحتلوها بعلم وعمل إعلامي جديد، وفي دول أخرى كانت تدفع على إعلام الآخرين أكثر مما تدفع على إعلامها وتطوره، والنتيجة من يجهّل إعلامه ويهمله، ويجعله متخلفاً لن يجده إلا وهو يسابق الهزيمة، وفي دول أخرى كان الإعلام الرسمي جزءا من وزارة الداخلية، فلما سقطت وزارة الداخلية المسخوط عليها من قبل الشعب، سقط الإعلام وترك الوطن يبكي سنين من الهدر والضياع وأسوار الحديد والتخلف في نواح كثيرة في الحياة، ويبني من جديد إعلاماً مختلفاً يبدأ من نقطة الصفر التي تركتها الدول المتقدمة مع نهاية الحرب العالمية الثانية.


amood8@yahoo.com