لن تغادر ذاكرتك بعض القصائد، ولن يبرح الشاعر مكانه الخاص لديك، إن عرفت طريق سيرة ومسارات قصائده التي ترتبط بالناس والأرض والوطن، أو كانت الرؤيا والرؤى التي يحملها تأتي دائماً من الأعماق وينبعث منها عبير الصدق وقوة الطرح وجمالية القصيدة. منذ أن قرأت قصائده الكثيرة، والتي جاءت في عدة دواوين له، حاملة راية الاقتحام القوي للموضوعات الاجتماعية والحياتية والخاصة، وتعبيراته الجريئة، بل حتى اختيارات عناوين دواوينه فيها الكثير من الالتصاق بالمعاني والتعبيرات الشعبية، ولأنه يرصد دائماً الحياة العامة ويتفاعل معها بصدق ويعبر عنها بقوة الطرح وتناول الكثير من الجزئيات الصغيرة ذات المدلولات الواضحة التي لا تميل إلى التورية أو الخوف، هذا لأنه مثل الصقر وحر الشاهين الذي إن عزم على الطريدة فإنه يأتي بقوة جناحين محلقين وبقوة قلب وحرارة عزيمة. هذا هو يصرخ فينا بقصيدته القوية الدالة.. “ليس في الشارع شارع ليس في الشارع نورٌ يتدلى من أنوف الأعمدة الخُطى حيرى وأحلام الليالي باردة إنني والليل نارانٍ من النيران هل تدري سويعات الظلام الجامدة؟!” لا يتركك هذا الشاعر البديع والجميل لتدير الفكرة وتستخلص العبرة من اقتحام مفردات القصيدة هذه، حتى تأتيك قصيدة أخرى أكثر طرقاً على مسار تفكيرك لتنتبه إلى واقعك اليوم أو غداً أو حتى ماذا كان بالأمس، إنه الشاعر المبدع الذي يشبه ريح الشمال أو هبوب السهيلي، لا فاصلة بين البحر والصحراء إذا كنت معجوناً بهذه الرمال محباً حتى العشق لوطنك وبحرك ونخيلك. “مهما تكون الأرض بور ارم البذور مادمت حياً أنت في سفرٍ ودنياك العبور ارم البذور ولا تقل: الريح تخطفها وتأكلها الطيور وتدوسها القطعان تحسبها الرعاع من القشور” هذا هو الشاعر المبدع الأصيل/ الجميل سالم أبو جمهور، دائماً يأتي مثل البشارة رائع في قصائده وجمالية اختياراته، ديوان “رجائي” الصادر أخيراً إحدى بشاراته الجميلة، تعالوا نقرأ هذه القصيدة: “شاء صمتي أن أشاء/ شئت أن أعشق صمتي!/ فبذلت الروح للأموات/ والعينين للعميان/ والصوت لمن لا صوت له/ شئت أن أعشق صمتي/ فتركت الأرض للماشين/ قدمت سمائي لنجوم راحل/ شاء صمتي أن شاء/ فاعتنقت الصمت عشقاً/ وتطهرت من الألفاظ/ ضحيت بكل الأسئلة” Ibrahim_Mubarak@hotmail.com