كنت بين الحشود التي غصت بها المدرجات الأربعة لمسرح “لندن كولسيوم”، أحد أفخم وأكبر مسارح العاصمة البريطانية، وهو يستضيف الأسبوع الماضي عرضين لمسرحية “زايد والحلم”، من إنتاج هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، بتوجيهات من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجسدتها إبداعاً فرقة كركلا اللبنانية الشهيرة، بمشاركة فرقة أبوظبي للفنون الشعبية، التي جعلت الجمهور البريطاني وزوار لندن يهتزون طرباً على إيقاع الحربية والعيالة في الشارع المقابل للمسرح الذي يعود افتتاحه إلى عام 1904.
كنت أقرأ الإعجاب والانبهار في عيون المتفرجين وجلهم من البريطانيين الذين توافدوا لمشاهدة استلهام لمحطات مسيرة قائد رحل عن دنيانا الفانية، وبقيت سيرته تعطر الأرض، بعد أن وضع قواعد صرح شامخ البنيان أصبح يشار إليه بالبنان. قواعد دولة عصرية استطاعت أن تسجل أروع نماذج بناء وطن موحد وأرقى تجربة للاستثمار في الإنسان عبر مسيرة تنموية حققت له الرفاهية والرخاء. ولتفاعلهم مع العرض وجدت العديد منهم بعد انتهائه في نقاش حول العمل ومسيرة قائد اتفق الجميع على أنه كان استثنائياً بكل المقاييس.
وكنت أقرأ في عيون من تشرف بالانتماء إلى إمارات المحبة، مشاعر الفخر والزهو والامتنان للقائد المؤسس الذي تجني أجيال اليوم ثمار غرسه الطيب المبارك وبقيت بصماته على البشر والحجر والشجر في الإمارات التي عُرِفت بأنها “بلد زايد الخير”.
لقد كان هذا العمل الملحمي المبهر محاكاة لرحلة حلم رجل من الصحراء، انبلج على يده فجر عهد وعصر جديدين، وبالِحلم والصبر والسهر والكد والعمل المتواصل أرسى زايد قواعد الدولة الجديدة، وانطلق ومعه إخوانه الحكام بسفينة الاتحاد وأبحر بها وسط لجج ظروف إقليمية ودولية عصيبة إلى بر الأمان، في رحلة كانت كل محطة من محطاتها تمثل تحدياً بحد ذاته، ولكن بإرادة الرجال الأوفياء وتصميم أُولي العزم كان زايد يتجاوز الشدائد والصعاب. وعندما يطالع المرء ما تحقق لهذا الوطن وأبنائه يستذكر عظمة تلك المسيرة المباركة التي انطلقت على يد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. والذي ببصيرته الثاقبة نسج صلات وروابط من المحبة والاحترام مع شعوب ودول العالم، ونثر اسم الإمارات خيراً وعطاء وحباً في أصقاع الأرض. في نهج واضح وراسخ يقوم على الانفتاح والتسامح وتبادل المصالح والمنافع. ويترسم ذات النهج قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، لتنمو وتزدهر هذه المكانة العالمية الرفيعة التي تحققت للإمارات على الساحتين الإقليمية والدولية.
وبهذه المناسبة لا يفوتنا التنويه بالجهد الكبير والمتفرد لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث وهي تنتقل بهذا العمل الإبداعي الكبير إلى بيروت وباريس ولندن وتستعد للطواف به في محطات عربية وعالمية. وبينما كنت أقطع ميدان (الطرف الاغر) بعد انتهاء العرض كانت أصداء كلمات الراحل الكبير التي أُختتم بها العمل تتردد، وهو يحثنا على العمل مذكراً بأن “ لا شيء ُيخلد أبداً، لا مُخلد الإنسان ولا مُخلد المال، ولا مُخلد شيء .. المُخلد هو الخالد، الوطن والعمل للإنسان “، وترقرق دمع في المقل، واللسان يلهج بالدعاء اللهم ارحم زايد.. وبارك لنا في خليفة وإخوانه الميامين.


ali.alamodi@admedia.ae