لست مع الطلاق إطلاقاً حتى بالنسبة لأولئك السيدات اللواتي يتحدثن بكل ثقة على أن معهن الحق الكامل في طلب الطلاق لأنهن اكتشفن أن أزواجهن قد تزوجوا عليهن سراً أو أنهن اكتشفن وجود أرقام نسائية في قائمة هاتف الزوج أو أن طلعاته زادت وسفراته لبعض البلاد العربية بالتحديد صارت مريبة، لست مع الطلاق إلا في أضيق الحدود لأنني على يقين أن لكل أزمة مخرجاً والطلاق ليس أحدها أبداً.
أولاً لأننا مجتمع نصرخ ليل - نهار شاكين من خلل التركيبة السكانية ومن قلة أعداد المواطنين وتباطؤ النمو السكاني مقارنة بالنمو غير المواطن الذي يحدث بواسطة آلاف القادمين إلينا من الخارج لأسباب كثيرة فيتحولون من طالبي عمل وراغبي سياحة إلى مقيمين دائمين، ما ولد ظاهرة غرس الجذور والبقاء لكل المشجعات التي يجدونها لدينا، فإذا قلت الزيجات بين الشباب وتأخر سن الزواج لدى الفتاة وانتشرت ظاهرة العزوف عن تكوين أسر كبيرة ذات أولاد، كثر كما كان الوضع سابقا في الأسر الإماراتية، فإذا أضفنا إلى كل العوامل السابقة عامل الطلاق كما هو منتشر اليوم فإننا لن نحل أي مشكلة وبذلك سنساهم في تقلص أعدادنا وبدل أن نعالج الخلل سنزيده تفاقماً.
أما ثانياً فإن الأسرة تصنعها وتبقيها وتحافظ على كيانها المرأة أكثر مما يقدمه الرجل، حتى مع حديثنا واعترافنا بتكامل الأدوار وأن الأسرة رجل وامرأة ولا يستقيم بيت من دون وجود الطرفين، كل ذلك نأخذه بعين الاعتبار، لكن المرأة تستطيع أن تتحمل كلفة أسرتها وأعباءها وحيدة من دون رجل إذا تسلحت بالصبر ونحت الأنانية جانباً، وفكرت قليلاً قبل أن تبادر إلى طلب الطلاق لأنها شكت في أن زوجها متزوج بأخرى في بلاد الواق الواق أو يكلم أخرى في الهاتف أو يقصر في الإنفاق على أولاده لأنه يفضل إنفاق المال على استحقاقات علاقات أخرى تشك فيها.
كل أمهاتنا وجداتنا عشن حياة صعبة، وكان وجود الرجل محدوداً بمدة معينة فأغلب الوقت هو في سفر دائم في مواسم غوص وصيد وحل وترحال بحثاً عن لقمة العيش، وفي أسفارهم وتنقلهم بين موانئ الدنيا في رحلة البحث تلك، تزوج هؤلاء الرجال وأنجبوا العديد من الأبناء والبنات، تركوهم في بلدانهم أحياناً وأحضروهم إلى الإمارات في أحايين أُخر، ومع ذلك لم تطلب أمهاتنا وجداتنا الطلاق.
لم تصل نسبة الطلاق في مجتمع الكفاف والفقر وانعدام الماديات وقلة التعليم إلى ما وصلت إليه اليوم من معدلات مرعبة بين رجال ونساء يتباهون بأنهم يعيشون في أكثر المجتمعات رخاء ووفرة، وبأنهم الأكثر تعلماً وتمدناً واستقلالية و.... ، مع أن القاعدة الطبيعية تقول إنه كلما زاد تعلم الإنسان واستقراره زاد وعيه وكلما زاد وعيه تمكن من معالجة مشكلاته بأقل قدر من تكبد الخسائر، وكلما قاده ذلك إلى توظيف علمه ورخائه المادي وتوافر البدائل المختلفة لديه إلى تذليل صعوبات حياته وإسعاد نفسه ومن معه، لكن ارتفاع معدلات الطلاق وطوابير النساء في المحاكم والمشاكل المترتبة على ذلك لا تدل على ذلك أبداً.
كلما اشتدت الأمور وتأزمت المواقف سارعت المرأة – للأسف – إلى طلب الطلاق من زوجها قبل أن تفكر في أن الطلاق حل بغيض ومكروه من قبل الله سبحانه وتعالى وليس من قبل البشر، لما فيه من تدمير وتشتت وعواقب وخيمة على جميع الأطراف.


ayya-222@hotmail.com