يولد الإنسان وتتفتح مداركه تدريجيا ليجد نفسه يعيش وسط ظروف قد لا تروقه ولم يسهم هو في صنعها وإنما فرضت عليه وصار لزاما ان يقبل بها والا فقد توازناته الاجتماعية كلها. والكثرة الكاثرة من البشر تختار ان تستسلم للواقع وتتكيف معه. وهؤلاء نراهم يطوفون بيننا ورؤوسهم محنية بلا ردة فعل وبلا مقاومة لأنهم لا يرون إمكانية لتغيير ما حولهم، وقد يقتلهم السؤال الصعب الذي يقول: عندما نغير من انفسنا، هل بالضرورة سوف تتغير الظروف من حولنا؟. هل سنجد الراحة في العمل الذي لا نحبه وهل سوف يتوقف الآخرون عن توجيه الانتقادات لنا؟. والاجابة التي يقدمها لنا كل الحكماء والعارفين هي نعم. لكن اليائسين يفتقرون الى الإيمان والأمل ويكون الاحباط قد تسرب الى قلوبهم ولا يعود يحفزهم شيء. بالمقابل هناك القلة ممن يحملون الطموح في أعماقهم، لا تروق لهم فكرة الاستسلام او العيش تحت رحمة الظروف، وهم يفضلون المشي في طريق التحرر والتغيير حتى لو كان هذا الدرب شاقا وداميا. ورحلة التغيير الكبرى تبدأ من دواخلنا اولا، من تغيير طريقة تعاملنا وفهمنا وإحساسنا بالعالم. كل فرد عليه ان يجعل التغيير هدفا أساسيا في حياته لكي يتجاوز كل العثرات ولكي ينتقل من حالة الإنسان الضائع والحائر في ركام الاسئلة الى إنسان فرح بالوجود. وأول الخطوات في هذه الرحلة تكون بإعادة النظر في المفاهيم والأفكار التي زرعت في عقولنا والتي عن طريقها تتحدد ردات فعلنا تجاه الاشياء. الأفكار التي صارت من المسلمات وعشعشت في رؤوسنا وجيناتنا الى درجة انها تصبغ تعاملنا التلقائي والعفوي مع كل امر نواجهه في الحياة. هذه الافكار يجب ان نتركها جانبا ونقرر ان نبني فهما جديدا للعالم خاصاً بنا. فهم يقوم على إدراك طبيعة الأشياء بدلا من الخوف منها او تفاديها او الهرب من مواجهتها. والإصرار على تغيير الذات وشحنها بالمحفزات هو ما يجعل من الإنسان قويا في كل الأوقات، وانت لن تغير من ظروف عملك شيئا، لكنك ستغير من طبيعة تفاعلك مع اجواء العمل فلا تعود المنغصات تؤثر بك. وان كنت كاتبا فسوف تبدا بتغيير الأشكال والأساليب التي فرضت عليك وتبدع نصا جديدا من طبيعة فهم مختلفة. هكذا نبدأ بتغيير العالم من خلال تغيير انفسنا. والاهم ان نبدأ رحلة التغيير ونجعلها مستمرة معنا حتى النهاية. بتغيير أنفسنا تصبح عقولنا وقلوبنا مفتوحة لتقبل الأفكار الجديدة والتعرف عليها بدلا من رفضها والتقوقع في أفكار الماضي. وعندها سوف نتعلم من تجاربنا الذاتية وخبراتنا ونكون قادة أنفسنا. نعبر في الطريق برؤوس واثقة ونسبق الجميع الى النبع الصافي. akhozam@yahoo.com