في تجربة فريدة خضت غمارها مؤخراً، ذهبت إلى قسم المرور لتجديد ملكية سيارتي، وبما أن الجهة تفتقر إلى لوحات تُرشد المراجعين، لم أعرف من أين تؤكل الكتف!! فسألت أسترالياً يبدو من عرق جبينه واحمرار وجهه أنه تَعَـرفَ على ما أجهلُ بتفصِيلٍ ممل فسألته: عُذراً يا سيدي، أين هي نقطة البداية وماهي الوثائق المطلوبة؟ نظر إلي وكأني نسمة هواء منعشة وأجابني قائلاً: مرحباً، عليك الحصول على ورقة مثل هذه ثم صفي سيارتك في ذلك المسار، حظاً سعيداً، فشكرته وتمنيت له التوفيق في الحياة والعمل والسفر وكل ما يتعلق بأمور الدنيا. ثم هرعت إلى حيث دلني لأجد نفسي بحاجة إلى “مطوف” فتحاورت مع نفسي حتى أقنعتها، اتجهت لقسم خُصِصَ للسيدات بابه رسمت عليه كلمة “حرمة” نهشت مواد التنظيف نصف جسدها وتركت ربما بقصدٍ أو بصدفة ما يدل على أنوثتها، دخلت وأنا أُبسمل وألقيت التحية فردت علي العاملة الأثيوبية بـاللغة الأمهرية وسألتني: “أنداما نّْش” فأجبتها: “داناَّنِش!” واحتجبت عن الرؤية. أخذتُ رقماً من آلةٍ كُتِبَ على زر منها لا تشاركه باقي الأزرار دلالة كلمة “سيدات” فقلت: الحمد لله، ها أنا وصلت. أمامي وعلى كرسي العميل جلست شابة جميلة، وكانت تنتظر إنجاز معاملتها، فبادرتها بسؤال بعد أن فَـرَغْت من نبش حقيبتها بحثاً عن “الفرصادة الزرقاء” ثم بَعَثت رسائل لمن يَهمه أمرها ويتتبع أماكن تواجدها. فسألتها: “من زمان تتريين؟” فقالت: “نعم، الظاهر أن الموظفة عندها سالفة ويا ربيعتها”. واندمجت مأخوذة بتعليقها المطلق، حتى قاطعتنا الموظفة العائدة بكمٍ هائل من الأوراق: “تفضلي وتوكلي، معاملتك خلصت”. فَهَمّتْ “بديعة الجمال” بجمع حصاد اليوم من الأوراق المطبوعة والمختومة بحبر مستورد واستمارات شغل فراغها حبر أقلام توزعها المؤسسات لتجمع البشر حول أجنحتها في الفعاليات المختلفة!!! وعندما وقفت ألقت عليّ نظرة عميقة وقالت مودعة: “أنزين فديتك، أشوفك على خير”. فقلت لها: “جاء دورك الآن لدق السوالف ويا ربيعتك؟” فقاطعتنا الموظفة: رقم 713 فقلت: نعم، السلام عليكم. فقالت: نعم، شو عندك؟ فقلت بسخرية: وعليكم السلام، أود تجديد ملكية سيارتي. فقالت: “مب هنيه، سيري عند الكاونتر الأول!” وضغطت على الرقم التالي منادية: 714. وعلى الكونتر جلس شخصٌ لم أُعجبه لسببٍ ما فقد تجاهل وجودي ونادى على أشخاص وقفت في الطابور النظامي قبلهم ثم التفت إلي سائلاً: شو عندك؟ فقلت له: السلام عليكم، أبغي أجدد ملكية سيارتي لو سمحت، فرد بسرعة: 120 درهماً، فرديت عليه بسرعة مشابهة: وعليكم السلام، تفضل 120 درهماً. فرمى أمامي الورقة الساخنة من الطابعة ونادى العميل التالي. خرجت من المبنى وركبت سيارتي متوجهة إلى منزلي لقد تركت هذه التجربة في النفس الشيء الكثير وأنا أحافظ على توازن الطاقة في جميع محيطاتي، ولا أحب الراكد أو العكر ففي التعامل معهم يحتاج المرء إلى حيلة. فحاولت الاسترخاء وفتحت التليفزيون وجلبت “إستكانة” الشاي فإذا بمسلسلٍ مُقبل على النهاية تنعت فيه أحداهن صديقة حميمة لها فتقول لها: يا حقيرة... أنت أحقر من رأيت في حياتي!! فأغلقت التليفزيون وقلت لنفسي أنا لست بحاجة لمثل هذه السموم. قصير هو مشوار الحياة، نتنزه في بواطنها ونَمُـر بها مرور الكرام. bilkhair@hotmail.com