مبكرا بدأت معركة جائزة “البوكر” العربية. أو في صياغة أصح الحرب على البوكر. انطلقت الشرارة هذه المرة من الروائي المصري جمال الغيطاني. فقد قال إنه رفض عرض “دار الشروق” لترشيح روايته الجديدة “من دفتر الإقامة” للجائزة. وقال الغيطانى إنه يرفض “الدخول فى مسابقة دون المستوى، حيث أن طريقة التحكيم فيها لا تليق بأى كاتب”. بعد الغيطاني فاض سيل التصريحات والكتابات ضد الجائزة، وحملت تواقيع الروائي إبراهيم عبد المجيد، والشاعر عبدالمنعم رمضان، والروائي حمدي أبو جليل بالإضافة إلى عدد من النقّاد والكتّاب والصحافيين. لا يقدم المعترضون على الجائزة حججا تبرر رفضهم غير التشكيك في مهنية مجلس الأمناء، ونزاهة أعضاء لجنة التحكيم غير المعروفين حتى الآن. ويسوقون مثالا من الدورة الماضية، يقوم على إشاعة أطلقتها مجلة ثقافية لبنانية تحدثت عن صفقة رباعية عقدت بين أشخاص من داخل إدارة الجائزة ومن خارجها، لمنحها لروائية لبنانية. وهي إشاعة سقطت بفوز السعودي عبده خال بالجائزة عن روايته “ترمي بشرر”. ما يبدو إن الإشاعة كانت في العام الماضي استباقية، كما هي “الحرب” اليوم استباقية أيضا. من حق المبدعين قبول الجوائز أو رفضها. من حقهم التشكيك بالخلفيات التي تستند إليها وبالمرجعيات التي تحرّكها. ويحفظ سجل الجوائز العالمية والعربية وقائع شهيرة، في هذا المجال، زادت من قيمة الرافض والمرفوض على السواء. فقد رفض الروائي السوفييتي الشهير بوريس باسترناك مؤلف “دكتور جيفاكو” جائزة نوبل للآداب عام 1958 لأسباب آيديولوجية. ورفضها الأديب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر عام 1964 لأسباب شبيهة. وفي مصر أعلن الروائي صنع الله ابراهيم رفضه استلام جائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 2003، في بيان معد سلفا ألقاه في احتفالية الجائزة. ربما تحمل مضامين بيانات الرفض في الحالات الثلاث السابقة، الكثير من المسوّغات التي تسهل على رافضي “البوكر العربية” تعريف رفضهم. بإمكانهم، مثلا، أن يقولوا بأن محددات الجائزة لا تختلف عن محددات الجوائز الرسمية. أو أنها تساير المعايير الغربية ـ بحكم نشأتها ونسبها ـ في الرواية العربية المرغوبة. أو أنها ترسم “صورة ثقافية بريئة” لرأس المال. لكنهم أعفوا أنفسهم من كل هذا الجدل الفكري، واكتفوا بتصريحات افتراضية عن ما يتوقعونه. تحتاج الجوائز الثقافية العربية، الرسمية وغير الرسمية، ومنها جائزة “البوكر”، إلى مقاربات منطقية تستجلي منطلقاتها وغاياتها وأدوارها. ولا بأس أن تفضي تلك المقاربات إلى محاكمات للجوائز كجزء من المشهد الثقافي العربي، لكن “شخصنة” المسألة على النحو الذي يجري حول جائزة “البوكر” منذ ثلاث سنوات يطيح بكل عناصر الجدية الممكنة والمأمولة في مشهد ثقافي يتعرض لاهتزازات بنيوية.. سببها الأول ما يجري في مقاهي المثقفين من تأويلات وتقوّلات.. قد لا يجد المعترضون على “البوكر” أي ملمح إيجابي فيها، لكنها في الحد الأدنى مثلّت استجابة في وقتها لـ”زمن الرواية” كما يسميه الدكتور جابر عصفور، فكتب كثيرون وعينهم على الجائزة، واستحق مرشحون وفائزون أن يكونوا في قوائم الأكثر مبيعا.. وتلك مسألة تحتاج إلى نقاش جدي: هل تستلب الجوائز الإبداع؟ لكن، يبدو إن البعض يفضل ألا يطرح الأسئلة وألا يجيب عنها، إذ يكتفي بالدويّ المثير.. تماما كما كانت تفعل “الفوفوزيلا” في ملاعب جنوب أفريقيا. adelk58@hotmail.com