حياتُكَ ثلاثة أثلاث: ثلث تقضيــه فـي النوم والطعام، وثلث تقضيه في العمل، وثلث ثالث هو الذي عليك أن تفكر ماذا تصنع به. أنت زنجيُّ حياتـــك، وعبد للزمــن اليومـــي الذي تعيشه وتعيشه بالدقائق والساعات ومواقيـــت الطعام والمنـام والعمل والتسلية، وهو زمن مكرر وثرثار، زمنك المألوف الـذي غالــباً ما تركــن إليه بلا تفكُّر، وتعيشه بآلية العـــادة، تستيقظ في الوقت المحدد تتناول فطورك تــذهب للعمل تعود منه، تتناول الطعام تنام في القيلولة تستيقظ: الشاي مُعَدّ، الصحف، وربما كان من عادتــك أن تمشـــي على شاطــئ البحر أو تلعب النرد، تعود تنام تستيقـظ تعمل تأكل تلعب وتكرر نهــارك وليلك وهكذا الساعة تدور بانتظام لا تتقدم ولا تتأخر ولا تتأنّى ولا تفكّر ولا تتوقّـــف ولا تسرع ولا تبطئ ولا تقلق ولا تضحك ولا تبكي: الثور مربوط من قرنيه إلى السائس، يدور على النورج، السائس الى السيد: نورج.. ثور.. سائس.. سيّد. هذا أنت. يسقط الثلثان من عمرك سهواً تحت النورج، فماذا فعلت بالثلث الثالث؟ *** قال العاطل عن العمل: حياتي كلها دائرة واحدة: البحث عن العمل. ماذا أعمل؟ أنت خارج النمط. أنا أقصد الرجل الآلي. الرجل الآلي زنجيُّ حياته. *** أنت منهدّب للخروج من دائرتك الأولى، لتدخل في دائرتك الثانية الأكثر ضيقاً، ولا تأكل فيها ولا تشرب ولا تعمل ولا تنام ولا تخضع للساعة، وأنت خارج الزمن المضجر، وداخل الزمن الآخر المبدع، حيث اليوم كألف يوم، واللحظة سابحة في الأبد، وأنت تركب آلة الزمن، وترحل في كل اتجاه. وهـــا أنــت وجهاً لوجه، واقف أمـــام مرآة ذاتك وأمام حقيبتك التي من أجلها كُنتَ، وأعطيت أن تعيش، ومن أجلها كتبت الشعر وكشفت الستر عن أسرار المجهول، وعزفت الموسيقى، ورسمت المشهد، وتفكرت وسألت وغنيت ورقصت وتمايلت أمام الشمس وفي الريح وسافرت وغامرت وناطحت المجهود. ابتهج أنت حُرّ. وأنت لم تعد زنجيَّ حياتك.