نحن بنات طارق، نمشي على النمارق، إن تقبلوا نعانق، وإن تدبروا نفارق، فراقاً غير وامق، بين صورة الأمس وصورة اليوم للمرأة العربية نجدها تراوح بين عُقد لا تقدر أن تخرج منها، وإن حاولت وتعلمت وسافرت وتثقفت فهي دائماً مردها إلى ذلك الشباك الحريمي الذي تطل منه خجلة، هي دائماً مصانة برجل، بشخص محرم، دائماً تُخوّف من الغريب ومن الشيطان وعمله وأعوانه، فهي في نظر المجتمع دائماً “قاصر وحاسر” محتاجة إلى ولي يحميها حتى من نفسها الأمارة بالسوء، لا يثق بها المجتمع، وإن وثق بها فلا بد أن تكون مراقبة، فإن اجتمعت مع رجل غريب فلا بد أن تفكر في الجنس، وإن اختلت برجل لظروف تحتمها الحياة فلا بد وأن يكون الشيطان ثالثهما، المرأة قارورة نخاف عليها من الكسر ومن العطب ومن الاعتداء الآثم الذي خلفته الحروب، والنهب والغارات القديمة على مضارب العرب، ومن العار الذي يمكن أن تُلحق به عائلتها وقبيلتها.
كانت في القديم توأد وأتى الإسلام كحضارة وأعطاها حقوقها وشجعها على العلم والعمل، حيث دخلت بقوة في المجتمع وإيقاع يومه السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، فظهرت في معارك الفتوح وفي الخلاف السياسي بين الفرقاء، وحكمت واشتغلت باللعبة السياسية، ظهرت كتاجرة وعاملة وعارفة بشؤون السوق، ظهرت راوية للحديث ومتفقّهة في أمور الدين وشاعرة يحتكم إليها الشعراء في شعرهم، وظهرت في الحياة الاجتماعية كوجه نفتخر به، لا كوجه نخشى عليه اليوم من الضوء والنور، ونفرح إن ضربنا عليه السواد من رأسها حتى أخمص قدميها.? توارت الحضارة الإسلامية وحكمنا بعصور من الجهل والتخلف، وتسلّط على الأمة من لا يخاف ولا يرحمنا، فأرجعنا عصوراً إلى الوراء، ودفن المرأة بطريقة متحضرة أكثر من وأد الجاهلية الأولى، فظهرت ضمن «الحرملك»، وجزء من ظل الرجل، ومن ستر البيت أو ضمن أسواق النخاسة والنجاسة أو مظلومة مقهورة جاهلة أو عاملة سخرة تعمل بلقمة يومها، ولو بجسدها، فانطفأت المبدعات والناجحات والمتميزات.
جاء العصر الحديث والتغيرات الخارجية الكثيرة، فأجبرتها على التحرك وإعادة النضال من أجل حقها في الحياة، وحقها الإنساني المسلوب منها، مقابل ما تقوم به من واجبات، أهمها النسل وتربية الأولاد، والصبر على الإساءة، وقوة التحمل، وما تتفضل به من خدمات كثيرة على الزوج.? ظل الرجل الشرقي يعامل المرأة كيفما يريد، ووفق مصلحته الذكورية، فإن كانت الجديدة والمدللة والمفضلة، فالمعاملة بالحسنى وبالتي هي أجمل وألطف، وبأنها تساوي الدنيا وتساوي عينيه، وأنها الشمس والقمر، وأنها البحر والورد والعطر، وأنها وجه السعد والوعد، وإن قضى منها وطراً، وأصبحت كالرحى القديمة على صدره فهي الحية الرقطاء، وأم أربع وأربعين، وعقرب الرمال الصفراء، وهي البومة جالبة النحس!



amood8@yahoo.com