في كثير من الأماكن التي يتردد عليها المرء، وتقدم له خدمات حيوية ومهمة، تنتشر لوحات تشير إلى حصولها على شهادات رفيعة وعالمية للجودة. رغم أن ما يراه حوله من مستوى متدن لهذه الخدمات لا يمت من قريب أو بعيد للجودة. لدرجة يشك معها المراجع في حقيقة هذه الشهادات ومصداقيتها ، وما إذا كانت تمنح عن استحقاق فعلاً، أم عن مجاملة ومحاباة وأشياء أخرى ؟ عند مداخل بعض المصارف المحلية التي ترفع شعارات” رعاية العميل” ولوحات شهادات الجودة، ومع حلول الشهر يتجمع بعض البسطاء حول موظف خدمة العملاء، وترى الصوت يرتفع، خاصة عند وجود موظفة، وتكشف حال كل واحد من المتراصين أمامها، وتظهر على الملا “ الانيميا الحادة” التي يعاني منها حساب كل واحد منهم، وكأنما أمر احترام خصوصية الفرد لا يندرج ضمن معايير جودة الخدمات التي يفترض أن تقدم لمن قادتهم الظروف للتعامل مع هذا المصرف أو ذاك. ومن المصارف إلى المستشفيات الخاصة، ففي أحدها من تلك التي تغمر جدرانها وممراتها صور من شهادات الجودة وعضوية شبكات المستشفيات العالمية، تجد مشاهد وممارسات بعيدة كل البعد عن” الجودة” المزعومة. في المبنى الذي لم يكن مصمماً ليكون مرفقاً صحياً، لولا “ الضمان الصحي” الذي هبط عليها ثروة وثراءً، تتذكر ما كان يقول الممرض في مسرحية” أهلا يا دكتور” للبطل صاحب العيادة بأنه رص له المرضى والمراجعين رصاً في الممرات والغرف وفي أي مكان يمكن أن يخطر على البال. ومن كثرة الممرات التي استحدثت في المبنى، يصعب على الزائر له أول مرة، أن يحدد باب الخروج منه. وفي مكتب الاستقبال كانت خصوصية المرضى والمراجعين مستباحة، وكاتبة الاستقبال تتحدث بصوت عال لكل مراجع ليعرف كل من في القاعة رقم هاتفه النقال وهاتف منزله وتاريخ ميلاده وطبيعة مرضه. وغير بعيد من هذا الهرج والمرج كانت لوحة منصوبة في المكان، تتحدث عن حقوق المريض، وأبسط تلك الحقوق الحفاظ على خصوصيته. وأتذكر حفلا أقيم في عاصمة عربية لاتحاد معني بشبكة المستشفيات العامة منها والخاصة، وكيف نال الجميع جوائز وشهادات على طريقة الترضية العربية، “حتى لا يزعل أحد”، ويدفع رسم الاشتراك في حفل العام المقبل!!. أما عن الزيارات الميدانية التي يفترض أن تقوم بها الجهات الرقابية المسؤولة عن القطاع، فالكثير منها تكون على طريقة الفيلم العربي الشهير” الوزير جاي”، اذ توزع هذه الجهات جدولا ببرنامج الزيارات، تستعد معه العيادات والمستشفيات العامة والخاصة للزيارة المرتقبة حتى تكون الأمور “عال العال”، وبعد أن تتحقق الغاية والمراد من هذه الزيارة، تعود الأمور إلي ما كانت عليه من سوء وتدن في الخدمات يدفع ثمنها المريض والمراجع، وأحياناً يكون الثمن غالياً لأنه يكون على حساب صحة وحياة المريض. كما في حالة ذلك المستشفى الذي كانت غرفة العمليات فيه غير معقمة بالصورة الكاملة والمطلوبة، مما أدى الى مضاعفات خطيرة للغاية على المريض. مواقف ومشاهد الغاية منها إعادة المصداقية لمعنى الجودة. علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae