كأي مواطن إماراتي يعيش على هذه الأرض، ويحفظ الكثير عن تاريخها، وتراثها، ومؤسسيها وظروف نشأتها، ومواد دستورها وقوانينها، يحزنني حين لا أجد اللغة العربية هي السائدة أو المتسيدة لمشهد التعاملات اليومي؛ سواء في المصرف أو السوق أوالمقهى أو بين الأصحاب وشباب الجامعة وفي معظم المؤسسات شبه الحكومية والخاصة؛ مع أننا في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأتساءل من منطلق الحب والحرص: هل العربية لغة عاجزة؟ هل نحن كمواطنين ما عدنا نهتم باللغة كثقافة وهوية وعلامة فارقة، فصارت بالنسبة لنا مجرد أداة تفاهم وتسهيل علاقات لا أكثر؟ وبهذا المعنى هل جردنا اللغة من إطارها الثقافي وجعلناها مجرد أداة براجماتية تؤدي غرضاً منفعياً لا أكثر فلا يهم بالنسبة لنا أن تحدثنا بالعربي أو بالإنجليزي أو بلغة مقاطعة كانتون الصينية؟ هل نفعل ذلك فعلاً؟ هل نفعله بوعي وإرادة أم أن ظروف تطورات البلد ومسارات النمو والتنمية قد فرضت علينا شكلاً حياتياً هو هذا الذي نحن عليه الآن من سيادة الإنجليزية على العربية؟ استوقفني ذلك الموظف الأجنبي الكبير في إحدى الشركات الوطنية العملاقة في الإمارات والذي حكى لمن حوله أنه يستغرب شيوع الإنجليزية بين مواطني الإمارات صغاراً وكباراً، فقد حدث في أول قدومه للإمارات أن أخذ أبناءه في زيارة لأحد المواطنين الذين تعرف بهم كي يختلطوا مع أطفال من أهل البلاد فيتعرفوا إلى ثقافتها ولغتها من منابعها الحقيقية؟ يقول كنت حريصاً على أن يلتقط أبنائي العربية من أفواه أولئك المواطنين الصغار، لكنني فوجئت عندما راقبت كيف تم التعارف وكيف سارت الأمور بين الأطفال كيف أن أطفال صديقه لم يتحدثوا العربية مطلقاً بل على العكس كانوا أفضل وأكثر طلاقة من أبنائه في تعاملهم مع قاموس الإنجليزية على الطريقة الأميركية، وحين سأل صديقه المواطن أفاده بأن أبناءه يتعلمون في مدرسة أجنبية ولا يتحدثون العربية حتى في المنزل، يقول الرجل: لقد صعقت لذلك وفزعت بينما بدا الإماراتي غير مبال بالقضية كثيراً. هذا أحد أشكال التربية التي لا تدعم العناوين والتوجهات الحكومية الكبيرة التي تنادي بال حفاظ على الهوية، ومعروف سلفاً أن اللغة في أية أمة هي وعاء الثقافة والناقل الأول للأفكار والتجارب بين الأجيال، وهي الجدار الأقوى لمواجهة مشاريع تخريب الهوية والثقافة وزعزعة الثقة والأسلاب تجاه الآخرين، فأي أمة لا تدين بالولاء للغتها لا تمت لماضيها ولا لتراثها كما أنها لا تحظى باحترام العالم لها. لدينا إشكالية كبيرة في التعامل مع لغتنا وسط تيارات وآراء تجد في الانفتاح حلاً وحيداً للذهاب للمستقبل شريطة أن تكون اللغة الأجنبية هي الوسيلة لتحقيق مستقبل طموح من وجهة نظر البعض، في نفس الوقت الذي نؤكد بأننا حريصون على هويتنا وتفاصيل تراثنا ورموزنا، وأننا دولة عربية حتى النخاع، إذن فنحن إزاء معضلة لا تذكر، كما لا يمكن إنكار حقنا في التطلع لمستقبل طموح وعظيم ولكن: هل حقاً أننا لا يمكننا بلوغه إلا بلغة الآخرين؟ وهل يمكننا أن نحقق النجاح بمعادلة الحفاظ على الهوية والتخلي عن اللغة في الوقت نفسه؟ مع أن اللغة هي العامل الأول والعنصر الأساس في أي هوية وثقافة في كل العالم؟ عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com