نستطيع أن نقول إن ليبيا ذاهبة إلى مجهول الكر والفر، وإن حكومة الزعيم مستعدة أن تفني الأرض وما عليها، ليبقى العقيد في العزيزية، حاكماً، مسلطاً وبأي ثمن.
نستطيع أن نقول إن ورطة ليبيا تكمن في تردد الأطراف الداعمة للثورة، واستعداد الزعيم لتدمير ليبيا بضرعها وزرعها، ببشرها وشجرها، وحجرها لتبقى القماشة الخضراء، علامة بارزة على اخضرار الأعشاب الشوكية، في ترائب هذا البلد، الذي كان بالإمكان أن يصبح بلداً زراعياً بدون النهر العظيم، واقتصادياً كبيراً بدون تنجيم، وحلقة تجارية مهمة بين ضفتي المتوسط بدون تفخيم، وأن تكون له كلمة في الساحة السياسية والثقافية العربية بدون علامات الاستفهام المتورمة، التي تملأ الكتاب الأخضر، وأن يصير كما صارت دول أخرى خرجت من أتون التخلف إلى آفاق التقدم بقدرات أبنائها، ورؤى قياداتها وبدون الاستعانة بالمرتزقة أو الأسلحة الفتاكة لتلقيم الناس رصاصة بدلاً من لقمة العيش الهانئة.
الشعب الليبي شعب كتب التاريخ بدمائه، فلا ينبغي أبداً أن تحترق هذه الدماء تحت وطأة الغطرسة والملايين الوهمية المدعاة من قبل الزعيم.
نستطيع أن نقول إن حرب الكر والفر قد تطول أسابيع أو أشهر، وقد لا نعرف مدى للزمن الذي سوف تستغرقه هذه الحرب التي تجردت من معاني الإنسانية، وتخلصت من أخلاق الإسلام، وتحللت من تقاليد الإنسان العربي.
حرب كشرت عن أنياب تبدو أنها صفراء إلى حد الأذى، حرب يقف فيها الزعيم في مواجهة شعب يريد أن يحكمه رغماً عنه، ويريد أن يلوي ذراعه وعنقه غصباً عنه، ويريد أن يحول ليبيا إلى ثكنة عسكرية محاطة بالمقربين والمعززين بأعتى الأسلحة لأجل بقاء الأمور كما هي عليه منذ أربعين عاماً، والعالم من حوله يتغير، والنظريات الخضراء اصفرت وذبلت ولا بد من استبدالها لتخضر الأرض من جديد بجهود أبناء ليبيا وبطاقاتهم التي يجب أن تتفجر على أرض وطنهم بدلاً من تبديدها في المنافي في جميع أصقاع العالم.
نستطيع أن نقول إن ليبيا سوف تتخلف أكثر فأكثر عن ركب الحضارة الإنسانية إذا استمرت الحرب كما هي، في كرها وفرها، دون حسم يعيد الحق لأصحابه ويحقق أماني الشعب الليبي بعيداً عن الحسابات والمراهنات، وما يجري في كواليس الساحة العالمية من نابذ للحرب ومن محبذ لإدامتها وبأقصى سرعة ممكنة، نستطيع أن نقول إن إطالة عمر الحرب ينهك ليبيا وأهلها اقتصادياً ونفسياً، ويفرخ حالات إجرامية قد تقتنص فرصة الفوضى وتنقض على الحالة، وتحيل الأرض الليبية إلى ساحة معارك لا منتهية. نستطيع أن نقول إن ليبيا لا تتحمل تضارباً في الأقوال والأفعال.



marafea@emi.ae