لا يمكن للواقع أن ينأى عما دونه، وهذا عمل قسري تستدعيه طبيعة المادة، خاماً كانت أم مُتَشَكِلة، وها نحن البشر بتميزنا عن بقية الكائنات بالقدرة على النُطق، ننشغل بما لا يُثنينا عن البحث والتأثر بالجَمَال الذي تفرضه ندرة التوافر أو الحدث. فمشهد حصان نائم في سرير؛ وبجانبه أنثى تصب عليه الماء، مُحركةً يدها بما يتناسب مع شَعرها الطويل إلى منتصف خصرها، مع إضاءة مسائية عند الشفق. وبينما أمشي على الرصيف في الشارع؛ بغتةً أراه أمامي وخلفه سَهْل شاسع.. إن ذلك يؤدي إلى إتلاف عدة حيوات داخل القفص الصدري. أو مثلاً نعمة التحول المُفترضة من مَصِّ دراكولا لدم أحدهم، تلك النعمة التي تَعرض على مَن يتحول إلى العيشَ في أبدية، مما يعني الخروج على الأنظمة التدويرية للميلاد والموت؛ مُتابعةً لإنسانٍ بائدٍ بالتوارث اللحظي من جيلٍ إلى جيل. إنها نعمة مُؤلَّفة لتحسين النَظَر إلى كل ما هو رقيق وناعم. إن الإحساس بالجَمَال يستطعم مصادره من التفكير عبر ما هو غير ملموس فيما نراه. الكثير مما يعرضه علينا الواقع الاجتماعي/ المدني، لا يفي بحق مكوناتنا الحدسية، ولا يُغذي فينا سوى الاتباع المهين للآلة الوظيفية، تلك التي انتهت بنا حتى إلى احتلال أحلامنا الاعتيادية أثناء النوم ليلاً، ذلك النوم الممنوح للراحة المُطلقة من كل ما عداه، إلا أننا نجد أنفسنا أخيراً صَرعى البلادة القلبية قبل العقلية، والفكرية قبل السياسية، وكأن مهام وجودنا في الحياة ليست إلا وسيلة لتضييق الخناق على الحياة نفسها. لهذا فإن البُطء يمنح الجَمَالَ مزيداً من العنف؛ لأنه يقلل من دوران الوقت، فللبُطء زمن ريشيٌّ خاص، يتلقى الحدث بعناية، فمادة “الأسيد” الكيميائية، التي تُذيب فيها بعض أنظمة العالم الثالث؛ معارضيهم، تمنح الجلاد شعوراً يُسهِّل له مرور الوقت عبر تلاشي كائن بشري مثله؛ على أنه جَمَالٌ مُفْرطٌ لا يُضاهى إلا بذوبان الآيس كريم في الفم، لكنه مع تكرار إذابة أشخاص آخرين، تصير العملية إجرائية وينتفي الإحساس عندها بعنف الجَمَال، لتحضر الجريمة. عالم الظلام المُطلَق الذي تُرَبَّى فيه العفاريت والكائنات الأخرى المشابهة بما في ذلك الغرقى في البحر أو أي نوعٍ مائي، يخلق جمالاً عنيفاً هو الآخر؛ لأننا هناك في هذا العالم ومن خلاله نسعى لإدراك ما لا نراه ولا نعرفه، وما نتمنى التواصل معه كحافزٍ للتعلق بما يُخيفنا، فكم منا لم يفكر في مُخاواة كل ما هو بعيد وأكبر منه، مثل العفاريت والجن، والسُلطة التي تحكم، والسفينة التي تصعد إلى الفضاء، وأجنحة الملائكة، والسيف المسحور، أي أن كل ما هو جميل عنيف. وإلا فلماذا الصوت الهامس مُغْرٍ ومثير، كما الأغنية الإسبانية الغجرية: “عندما أسمع اسمكَ، ينشطر جسدي نصفين”. فماذا تريد أن أرى، وما أراه كفيل بكل ما يتعالى عما يُرى. وما لا يُرى يتبادل إشارياً ومحورياً مع رغبتنا، وتحقق أصول تلك الرغبة من خلال المُحَفِّز الذي بإمكانه أن يجعلنا جزءاً من غير المرئي، المخفي، الغامض، المستحيل. وكأننا حياة لما يحدث دوننا، والانا. eachpattern@hotmail.com