تتمرجح ليوا على حبال من نسيج الذاكرة وتقف على مرافئ الأحلام كالسراب الذي يفاوض المزاج بين الرغبة والامتناع، وكلما توغل المرء في أعماقها غار في أدغال رمالها النابضة بقيم البدو وشيمهم. وعندما تجالس أهلها تذوب تفاصيل حياتك في أقداح قهوتهم فتنصهر وأنت في كامل قواك العقلية وعندما تفيق تكون قد أصبحت منهم، وأهل ليوا لا يسكنونها بل هي تسكنهم ولا يحضرونها بأجسادهم فقط ولكنها محك الحياة والوجدان لهم. وفي حضرة أهل ليوا ينسى المرء نفسه ولكنه يتذكر عند وبعد فراقهم كم صعبة وقاسية كانت أيامهم، وكم هو نبيل سلوكهم وما منحتهم اياه البادية من قيم ومبادئ وتهذيب للروح والنفس. لقد عالج أهل ليوا علل العالم بنظريات تحترم البيئة وتقدس المخلوقات وتتلاحم من أجل السلام والحياة. فهي الروح التي يتنفسون. وفي محاضرها يتاح للمبصر والأعمى ما يربط الخالق بالمخلوق، حتى أجساد العاشقين التي “تتذوح” فتجيش صهوة الشعر في صدورهم بتصورات بعيدة المدى تنصب شباكها عند الأصيل وتسهر على ضوء القمر والخليل يبقى خليلٌ أو قليلٌ أو بخيل. وعندما وصلت مشارف بدع زايد بدأت أصغـرُ سناً، حتى أصبحت صبية داعب براءة طفولتها الفضاء الرحب فصارت تركض حافية بين كثبان رسم الشيخ زايد طيب الله ثراه من أمامها وخلفها ماجمع بيني وبين ليوا وكان ذلك بعيدًا عن رؤى الآخرين. فاجتررت من ذاكرة الصبا كلمات خليفة بن مترف التي انسجم صوت بن روغة معها، لحظة عبثت بدقات قلبي، لعل هناك من يشاطرني هذا الشعور ويشاركني تلك الذكريات: شط قلبي يا ملا ريم الخشوم يوم شد الهين وانوى باعتزام ?قلت قومك قال عنكم بانشوم قلت وين الحل من عقب المشام ?قال في دار بها بس الصروم في محاضير ليوا بالتمام ?ديرتي وهناك قصدي واللزوم وان نويت اتزورنا حد المشام ?وان هوت نفسك هوانا لك ندوم في التزامك يا فتى لو بعد عام ?وان هوالك غيرنا فوق الخشوم لا تقاطعنا من اردود السلام وعندما سألت سيداً في القوم عن ليوا أجاب بحزمٍ وبلا تردد: لقد أدركنا منذ القدم أنه لايزور ليوا إلا من كان فطينا بتضاريس الأرض أو برفقة دليل من أهل الدار وعارفيها كمن رافقوا الرحالة البريطاني مبارك من لندن في رحلة إلى حضرموت عبر الربع الخالي فهي التي قيل فيها “على وادياري حلوة الماء عذية مقفله بيبانها من رمالها”. أما اليوم تفتح ليوا والغربية طرقها و”كثبانها ومحاضرها” على مدار العام، وترحب “دلال” القهوة و”المرشات والمداخن” عند مداخلها بضيوفها. فمن قصد “مزاينة الرطب” بليوا أو تمهل منتظراً مزاينة الابل بالظفرة فإنه حتما سيزداد معرفة بمقاييس الوفاء عند البدو، حيث يفوز برؤية ملكة جمال النخيل والنوق ليتعرف على الرشاقة والتناسق والشموخ الذي يراه سكان البادية في نبتة مباركة وحيوان سخرة الله ليشاركهم طقوس الحياة. ليوا هي واحة أما عندي أنا هي عاصمة القلب. bilkhair@hotmail.com