الذين يعيشون في حكمة الصمت يرحلون في ضجيج المحبة، إنه ضجيج المحبين وضجيج الذاكرة التي تستدعي مخزونها كله ليتدفأ به المحب في برد الفراق.. رحمك الله رحمة واسعة وغفر لك، بما الله أهله من مغفرة، وبما أنت أهله من حسن خلق، وبقدر ما دعا لك هذا الشعب الطيب من أقصاه الى أقصاه.
من أين لنا كل هذا الحزن عليك يا أحمد ونحن لم نلتقيك يوماً؟ وأنت الذي اخترت خيمة الصمت وتجنبت الأضواء دوماً واخترت العمل في طمأنينة الصمت؟ إن العقلاء والحكماء يقولون بأن الحزن لا يحتاج الى معرفة، وإن الأرواح الطيبة تستحق رثاءها وتستحق الدموع المنسكبة عليها.. انك بضع من الغالي الذي رحل منذ سنوات تاركاً وقع صوته الشجي في كل أذن وتلويحة يديه وحنانه الغامر في كل قلب، زايد الجميل الحنون الذي ودعناه الى الرفيق الأعلى ولا زال حياً فينا كأنه لم يرحل.. كأنه لم يمت.
إن الضجيج الذي رافق وفاتك كان من فرط المحبة، ومن فرط المحبة تجلجل النفس بأحزانها في بريتها وحيدة شفافة تتساءل من أين يهل الدمع ومن أين يتهاطل ندى الحزن على صفحة القلب ؟ تماماً كما ذهبت أنت في أعماق الماء، ونمت هناك كصفحة الماء هادئاً رقراقاً.. كأنك لن تعود أبداً !.
ويا كل محبي أحمد.. كم هو صعب هذا الحزن وهذا الرثاء .. ومرارة إلى اللقاء.. والموت مر ولابد منه !! فمن اين نأت لكم بصبر العالم يا من سماكم اصفياؤه وأهله وأحبته ؟ ليأت لكم الله بهذا الصبر، وليثيبكم خير الثواب، وليتقبل أحمد في العليين، كما تقبل والده الكبير.. زايد الخير.
الذين يرحلون وحيدين يرحلون وحدهم، أما الذين يعيشون لأحبتهم وأوطانهم وللآخرين فانهم لا يغيبون، وإن رحلوا وحيدين بصحبة الماء والدعاء وأحزان القلب. فهل رحلت وحيداً ؟ لم ترحل وحيداً فقد اقتفت أثرك كل الصفحات وكل اللحظات وكل الأقلام.. كنت على رأس كل قلم نقط حبر مضيئة ومسيرة شيخ لم يذهب بعيداً عن اقتفاء خطوات والده العظيم.
في ملكوت الله نحتسبك شهيداً، ندعو لك بالرحمة والمغفرة، ونحزن عليك لأنك أهل لذلك، فإذا ذهبت الأيام بالأحزان والذكريات، وعبرت مياه البكاء آفاق العيون، لاحت صحائف الأعمال وقد كنت تواقاً لعمل الخير كما حكى عنك المقربون منك، في مجالات الخير والعلم والإغاثة، لن ترحل وحيداً مع أحزان من أحبوك، سترحل معك كل أعمالك الصالحة، وكل مآثرك في مجال الأعمال الخيرية التي عكفت عليها قائماً تخليداً لذكرى والدك ضمن المؤسسة التي تحمل اسمه النبيل، لن تنقطع صلتك بما كنت تعمل.. إنها الصدقة الجارية التي ستظلك كغيمة وارفة كما أخبرنا حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. 


ayya-222@hotmail.com