من الواجبات السيئة، التي عليّ احتمالها مرتين أسبوعياً، ملء خزان سيارتي بالوقود، ذاك المشوار “البغيض إلى نفسي” صار من أكثر الأشياء التي أهرب منها عبر تركه دوماً لأحد إخوتي الشباب. بدأت بالسأم من محطات البترول بسبب ارتفاع أسعار الوقود المتكرر، ثم بسبب الازدحام الذي لا ينتهي، فالوقوف، في انتظار ملء السيارة بالبترول، يصيب الإنسان بنوع من كراهية المكان، لأن طابوراً ممتداً من السيارات يقف أمامك، وطابوراً آخر لا ينتهي وراءك، وعليك في معمعة هذا التكدس أن تفتح مجالاً لمركبات يتغطرس أصحابها على حقك ليصادروه بسهولة مقدمين “داعمات” سياراتهم الحديدية “الصب” لترعبك ضخامتها، وأنت جالس في سيارتك “الصغننة”. من الأسباب الأخرى، التي تزعجك في محطات البترول، تصميم بعض الناس على ملء سياراتهم “عكس السير”، تجدهم يدخلون المحطة، عكس الاتجاه، ليتزودوا بالوقود، ولم تملأ أنت الواقف منذ ربع ساعة عينهم، ولا مجال بصرهم الممتد. هناك من يقف في دورك ويسابقك لتكتشف في النهاية أنه يقف في المكان الخاطئ، وترى خرطوم البترول يمتد من فوق السيارة مسبباً أخطاراً جسيمة يجهلها السائق الجالس بأريحية على كرسيه تاركاً الناس وراءه “مقهورين”. البعض يعتبر ملء السيارة بالوقود فرصة للتسوق من سوبر ماركت المحطة، فيترك السيارة ويذهب لشراء نواقصه، وغالباً ما يمكث في المحل عشر دقائق أو أكثر، وتمتلئ خلالها خزان الوقود، ويرفع العامل الخرطوم لتبقى السيارة واقفة في مكانها والناس عالقون في الازدحام وراءها في انتظار صاحب السيارة لينتهي من التسوق ويحرك سيارته. أما تصرفات (بعض) الموظفين في محطات البترول فهي سبب وجيه للامتعاض وكراهية الدخول في المحطة من الأساس، فبعد أن تنتهي من ملء الخزان، ويأتي موضوع دفع النقود تدخل في خيارين، إما أن تستعمل بطاقة الفيزا أو أن تدفع نقداً، وللطريقتين منافع ومساوئ لا تكتشفها إلا في محطة البترول. الدفع بالفيزا يعني أن تتأخر خمس دقائق إضافية في انتظار عودة بطاقتك إليك، والعارفون بـ”إتيكيت” استخدام محطات البترول يتحركون من أمام الخزانات ليقفوا جانباً في انتظار بطاقاتهم مفسحين المجال لغيرهم كي يملأوا سياراتهم، أما الجاهلون بآداب صب الوقود (وهم كثر للأسف ) فيظلون في أماكنهم، مصممين على قضاء الدقائق الخمس هذه بلا مهنة سوى الانتظار. الدفع النقدي مشكلة أيضاً، واختياره للتخلص من مشكلة الانتظار يعني أن تدفع “بقشيشاً” إجبارياً لعامل المحطة الذي “يتلكأ” في إعادة الدراهم الباقية، ويجبرك على الانتظار أو ترك النقود له والخروج من المحطة، وعلى الرغم من أن المبلغ يبدو تافهاً جداً فهو ثلاثة أو أربعة دراهم، لكن حسبة بسيطة لعدد السيارات، التي يمارس معها العامل الحركة نفسها للحصول على بقية النقود، تجعل يومية العامل ترتفع أربعين درهماً من عشر سيارات فقط، فكيف والعدد يزيد على خمسين سيارة كل يوم.