تخفي جدران البيوت أسراراً كثيرة، وتستر وراء أبوابها قصصاً مختلفة، في كل بيت قصة، وفي كل غرفة قصة، ولكل ركن حكاية، منها جاءت العبارة الشهيرة «البيوت أسرار»، ومنها أيضاً تنطلق مشاعر الفرد تجاه المحيطين به، أهله، إخوته ووالديه. تمر البيوت بعواصف عدة، مسبباتها مختلفة لكن نهاياتها متشابهة، ما يعرف «بالتفكك الأسري» أو حتى «اشتعال العداوات» أو ربما انهيار الأسرة في معظم الأحيان. خلف البيوت قصص، محورها الأول الأنانية، أنانية الاستئثار إما بالقيادة، أو بالمال أو بالرأي أو بكل الأشياء السابقة، أنانية النظرة الفردية للقضية والرغبة في التسلط على محاورها، وعدم السماع للآخرين. قصص تحاك وراء قصص، الكل يرى نفسه مظلوماً فيها، والكل أيضاً يظلم الآخرين فيها، تؤمن معظم الزوجات بنظرية أن المرأة مهيضة الجناح مكسورة بلا حول ولا قوة، ويدافعن بشراسة عن أنياب تظهر في وجوه أغلبهن، ومخالب يستعملنها للسيطرة على الزوج والبيت والعمل والمال والقرار وكل شيء، ليتركن الرجل في حالة «تثير الشفقة»، فلا هو قادر على إيقاف التمكن النسائي من كل شيء، ولا يستطيع هدم أسرته والتخلص من الزوجة التي تتغذى على دمه، ولسان حاله يردد مقولة سعيد صالح في «العيال كبرت»: (يا لهوي على جبروت الستات)! بيوت أخرى، تنعكس فيها الأدوار، رجال تشبعوا بنظرية «لا تسوي للسبوس منخل» يرون المرأة قاصرة ويجب أن تبقى كذلك. فيخافون من كلمتها ورأيها ورغبتها ويعملون جاهدين على لجم كل ما تريده وتحقير كل ما ترغب فيه، ويمتد هذا من الزوجة إلى البنات أيضاً، فيصبح للرجل سلطة مخيفة، ويصبح الرعب محرك البيت الأساسي، أجساد ترتجف وأسنان تصطك، والرجل يمارس دوراً أبشع من «سي السيد»، ويردع خوفه من المرأة بفرضه الخوف عليها. وفي بيوت أخرى يكبر رأس الأخ كثيراً، يكبر جداً حتى يغدو بالونة تطير فوق البيت، نظراته تترصد، وعيونه تحمّر، وقيوده تزداد، وضحيته واضحة، الشقيقة الصغيرة أو الكبيرة إن لم تكن متزوجة، له حق ورأي في متعتها ورغبتها، يحرمها من كل شيء، ويقيدها بكل ما يريد، يمنع صديقاتها، ويصادر حريتها، ويكرهها على ترك الدراسة، وربما على الزواج أيضاً، فقط لأنها «ناقصة عقل ودين»، بينما هو كامل العقل والدين على الرغم من تركه للصلاة! في بيوت أخرى تكون الأم صاحبة «الهيلمان والسيطرة»، صاحبة الرأي الأوحد، تأمر الولد فيتزوج، وتزجره فيطلق، تجبر الأب (قليل الحيلة) فيكتب البيت لها، وتغضب على الابنة فتحرمها من العمل والحياة، تتعامل مع «بيدار» المزرعة وتحضر «التسويق» بنفسها لتتسلم الشيكات، ولا يمر شيء في بيتها إلا من خلالها، هي الأولى والأخيرة ولا أحد سواها. في البيوت قصص كثيرة، وروايات غريبة موجودة في كل المجتمعات العربية وحتى الأجنبية، قصص تملأ ملفات وذاكرات رقمية، نعيشها كلنا، وتعيشنا، وتؤثر علينا بشكل أو بآخر، وبالتأكيد سنعود لها يوماً ما.