ببضعة جنيهات زهيدة، لا تتعدى الخمسة جنيهات، قد تتاح لك الفرصة لاكتشاف عالم خرافي، وحضارة عظيمة، ومعالم حياة ومعتقدات، وتراث يعود الى مئات السنين بل آلاف السنين، معالم تكشف لنا موروثا ومقتنيات عجيبة قد لا يدركها العقل، ولا يصدقها، وأنا لا أتنازل عن التمتع بها في كل زيارة أقوم بها وأتوجه فيها الى ذلك المكان الذي في اعتقادي هو كنز وثروة عالية القيمة، ولا أقصد هنا المرجع المادي، بقدر ما هو احساس داخلي، واستمتاع يعيشه كل زائر، فالمتوجه الى المتحف المصري القومي، يدرك كما أدرك كل كلمة أصفه بها، ولا أقصد من خلال مقالي هذا أن أفتح باب دعاية، أو ترويج لهذا المعلم الأثري، فهو غني كل الغنى عن دعايتي، خصوصا وأنه يُعد من أشهر متاحف الدنيا، ففيه أكبر مجموعة من الآثار المصرية المختلفة، التي تحتوي تقريبا على 136 ألف أثر فرعوني، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الآثار الموجودة في مخازنه، وللمتحف المصري تاريخ طويل يبدأ منذ عام 1825، حين أصدر محمد علي باشا مرسوماً بإنشاء متحف للآثار، فاختاروا له مكاناً مؤقتاً على ضفاف بركة الأزبكية (حديقة الأزبكية الآن)، وهي بين ميداني الأوبرا والعتبة، ووضعوا وقتها فيه الآثار التي كانت تُكتشف هنا وهناك. ولكن حكام مصر في هذه الفترة لم يشعروا بقيمة الآثار، وأخذوا يهدونها لكبار السائحين الأوروبيين، واكتملت المأساة في عام 1855، حينما زار الأرشيدوق النمساوي «مكسمليان» هذه القاعة، فأعجب بها، فأهداها الحاكم الخديوي عباس باشا بأكملها إليه، ونُقلت إلى «فيينا» عاصمة النمسا، ومازالت هناك حتى اليوم، وبعد عدة محاولات افتتح المتحف الحالي بميدان التحرير، وقد تم بناؤه لهذا الغرض، على يد احد الفرنسيين، وكان افتتاحه في العام 1902. أثناء زيارتي للمتحف شدتني تلك الحضارات المختلفة التي اجتمعت تحت سقف واحد، كالحضارة الرومانية وحضارات عصور ما قبل الميلاد، والعصور القديمة والعصور الوسطى انتهاء بالعصر الحديث، فمن التحف الرائعة التي أخذت بي الى عالم بعيد عن عالمي هو قسم «المومياءات»، وقد أُبهرت بكيفية تحنيط هذه الجثث التي يظن من يراها للوهلة الأولى انها حديثة الوفاة والتحنيط، ولا يمكنني أن أتغاضى في مقالي هذا عن تماثيل العهد الروماني التي تحكي من خلال منحوتاتها حضارة عريقة، عرفت بالقوة والأساطير المشوقة، خصوصاً وان المعروضات وزعت على طابقين، الطابق السفلي منها يحوي الآثار الثقيلة مثل التوابيت الحجرية، والتماثيل واللوحات والنقوش الجدارية. أما الطابق العلوي فيحوي عروضا ذات موضوعات معينة مثل المخطوطات وتماثيل الأرباب والمومياوات الملكية، وآثار الحياة اليومية، وصور المومياوات والمنحوتات غير المكتملة، وتماثيل وأواني العصر اليوناني الروماني، وآثار خاصة بمعتقدات الحياة الأخرى وغيرها. ولكن بالرغم من العالم القديم الذي تعيشه في تلك الساعات، فقد وفر المتحف خدمة جديدة للسائح تميزت بتجهيز دليل إلكتروني (المرشد الإلكتروني)، وهو كمبيوتر يدوي مخزن عليه معلومات تاريخية يقدمها ويشرحها له بالتعليق الصوتي المسموع المرشد المرافق، لتمكين الزائر من معرفة المعلومات والحكايات المتنوعة. Maary191@hotmail.com