في فن الكتابة هناك مجموعة من المنظومات والأفكار والقوانين التي يحتاج كل كاتب إلى أن يتعرف إليها لكي ينتقل من مرحلة إلى أخرى. هذه القوانين تتعلق بفهم معنى الكتابة وجدواها ولماذا نكتب ولمن وكيف نختار الأسلوب والموضوع. هذه الأسئلة ستظل ثابتة ولكن إجاباتها ستبقى تتغير باستمرار وكلما قطع صاحبها طريقا تفتحت له طرق جديدة. من بين الاستفهامات الفلسفية الكبيرة في الأدب سؤال: أنت تكتب لمن؟ وهناك المئات من الكتاب لا يعرفون إجابة عن هذا السؤال لكن في دواخلهم يشعرون بالقارئ الذي يتوجهون إليه. وهناك كتاب يحددون فئة اجتماعية يوجهون إليها خطابهم وهناك من يحلم بأن يوجه خطابه إلى العالم أجمع، وعلى العكس هناك من يحدد شخصا واحدا بعينه يكون صديقا أو حبيبة أو أستاذا جامعيا أو أبا يوجه إليه كتاباته ويقصده بالذات. والعلاقة التي تربط الكاتب مع القارئ لا بد أن تكون حقيقية وقائمة على الثقة. وكل كاتب سواء كان في بداية مشواره الأدبي أو في منتصف الطريق أو آخره، عليه أن يحدد في كل مرة طبيعة القارئ الذي يكتب له. وقد يتغير هذا القارئ من كتاب إلى آخر. كما تكون هناك خطورة عندما توجه عملك الأدبي إلى قارئ معين ثم في منتصف العمل تتركه وتوجه الخطاب إلى قارئ آخر لأنك قد تفقد الاثنين معا. وقد يؤثر ذلك على أسلوبك وفن ربطك للمعاني في بنية النص. المهم والرائع هنا أن يدرك الكاتب أن القارئ هو جزء من العملية الإبداعية وهو ملكنا ونحن الذين نصنعه ونختاره ونحدد كيفية مخاطبته وباي أسلوب. فقد يكون شخصا متخيلا أو شخصية من الماضي أو التاريخ، والاهم من ذلك أن نشعر به ونجعله حيا وشريكا في الكتابة، ويمكن أن نتخيل انفعاله بما نكتبه وإعجابه بهذه الجملة وبهذا السطر أو بالعمل الأدبي ككل. وهي لعبة يمارسها كبار الكتاب الذين قد يتحولون أيضا إلى قراء محترفين لأعمالهم. لكن هذا لا يكفي إذ يظل القارئ الآخر هو حجر الزاوية في رصد أثر الكتابة. وهناك في الغرب اليوم تقاليد راسخة بأن يقوم الأديب بعرض مسودة أعماله على مجموعة مختارة من الأدباء ومحترفي الكتابة لرصد انطباعاتهم وملاحظاتهم قبل أن يزج بكتابه إلى المطبعة. وهذا الأسلوب تقوم به كبريات دور النشر أيضا. تعد عملية خلق القارئ المتخيل ضرورية ومهمة جدا في الكتابة، عليك أن تحدد أوصافه واسمه وان تعرف طبيعة علاقتك به ومدى قربك منه، والأهم أن تعرف كيف تستحضره عند الحاجة إليه لأنه يصبح مفتاحك للدخول في حالة الإلهام وممارسة الإبداع باحتراف وثقة. akhozam@yahoo.com