مثل دندنات صغيرة تأتي أمواج الخليج العربي لتقبل صدر القارب، هدوء الليل سيمفونية رائعة في ليالي البحر الممتد بعيداً، أرمي الصنارة بعيداً ثم أتحسس الخيط وكأنني أداعب شفة ناعمة. سوف تأتي السمكة بعد حين، لا محالة وعندما تعلق بالصنارة سوف أسحبها بفرح. أنا أحب الانتظار الذي يثمر عن صيد ثمين، حيث أجمل شيء أن تصطاد سمكة، أياً كان حجمها المهم أن علاقتي بالبحر والصيد لا تنقطع أبداً. لاشيء يساوي ويوازي متعة الصيد والبحر، أجمل اللحظات أن تكون وحدك والقارب وضوء القمر والنجوم. البحر هادئ وأمواجه الخفيفة تبعث السرور والانشراح، يستدير القارب مع استدارات النسمات البحرية وتعلق بالخيط أسماك كثيرة، أنير المصباح اليدوي وأبعث بالضوء إلى مسافات نحو البحر، فتتطاير أسماك جراد البحر، تمر بمحاذاة القارب طائرة فوق الماء، أسراب وجماعات، إنها أجمل الأسماك التي تستطيع أن تشاهدها طائرة فوق الماء، بل لا أسماك يمكنها أن تطير غير هذه الأسماك. لم يخطئ البحارة عندما أطلقوا عليها سمكة جراد البحر، فهي تشبه الجرادة تماماً، لها زعانف طويلة على جانب جسمها وأخرى على ظهرها مع زعنفة الذيل التي تأخذ نفس الانسياب المتوازي مع سائر الزعانف، هذه الأسماك الطائرة تزيد من جمالية اللحظة وروعة البحر الهادئ الجميل. أتوقف عن الصيد وأسعد بهذه السيمفونية الرائعة، بين بحر يبعث على الفرح والحبور وضوء القمر والنجوم السارية في المساء الصافية، وهذه الأسماك الطائرة بفرح الضوء المنبعث من المصباح. لن أدير محرك القارب الليلة، سوف أستخدم المجداف، إن زحف القارب عن موقع الصيد، لن أزعج الأسماك الطائرة بضجيج المحرك، إنها لحظة لا تتكرر مع البحر، ولكن تجدد الظروف بمثل هذا المساء. لا أرغب في العودة إلى الساحل، فهذه النسمة والهواء البحري محال أن تجده على اليابسة، إنه هدية البحر لعشاقه ولأسماك جراد البحر. عند الفجر لملم البحر سجادة الماء، وأخذ يطوي لوحته الجميلة، ارتفع صدر موجة واستدارت الريح إلى الجنوب، ودعتني الأسماك وهجرت موقعها إلى مكان آخر، ولوّحت جرادات البحر بزعانفها مودِّعة وغاصت إلى الأعماق، سرت خيوط الفجر مثل خيوط الزعفران وبأن خد الفجر والشروق مثل وردة جوري على خد صبية بيضاء، عندها لامس صدر القارب الشاطئ وودعت البحر. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com