البدهي هو الذي يفرض نفسه فرضاً على العقل ولا يترك له أدنى مجال للشك، وينبغي أن نُفَرِّقَ هنا بين البدهيات والمسَلَّمَات، فقد عَرَّفَ الجرجاني المُسَلَّمَات بأنها «قسم من المقدمات الظنية وهي قضايا تُسَلَّمُ من الخصم ويبنى عليها الكلام لدفعه سواء كان مسلمة بين الخصمين أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء مسائل أصول الفقه». وعَدَّ ابن حزم من معارف النفس ما أدركت بحواسها الخمس، ثم عَدَّ الإدراك السادس علمها بالبديهيات ومَثَّلَ لذلك بعلمها أن الجزء أقل من الكُلَّ، وأنَ الضِّدين لا يجتمعان، وأنه لا يكون فعل إلا لفاعل، وغير ذلك، ثم وصفها بأنها ضرورات أوقعها الله في النفس، ولا سبيل إلى الاستدلال إلا من هذه المقدمات، ولا يصح شيء إلا بالرد إليها، فما شهدت له مقدمة من هذه المقدمات بالصحة، فهو صحيح متيقن وما لم تشهد له بالصحة فهو باطل ساقط، إلا أن الرجوع إليها قد يكون من قرب ومن بعد، فما كان من قرب فهو أظهر إلى كل نفس وأمكن للفهم، وكلما بعدت المقدمات المذكورة صعب العمل في الاستدلال حتى يقع في ذلك الغلط إلا للفَهِم القوي الفَهْم والتمييز. البَدْهُ والبُدْهُ والبَدِيهة والبُداهة في (لسان العرب) أوّل كل شيء وما يفجأُ منه. وقال الأزهري: البَدْهُ أن تستقبل الإنسان بأمر مفاجأَةً، والاسم البَدِيهةُ في أول ما يُفاجأُ به. وبَدَهَهُ بالأمر: استقبله به. تقول: بَدَهَهُ أمرٌ يَبْدَهُه بَدْهاً فجأة. وقال ابن سيده: بَدَهَهُ بالأمر يَبْدَهُهُ بَدْهاً وبادَهَهُ مُبادَهَةً وبِداهاً فاجأَه، وتقول: بادَهَني مُبادَهَةً أي باغَتَني مُباغَتة؛ وأنشد ابن بري للطِّرِمَّاحِ: وأجْوِبــــــة كالرَّاعِبيَّـــةِ وَخْزُهـــا، يُبادِهُهـا شــيخُ العِراقَيْــنِ أمْــردَا وفي صفته، صلى الله عليه وسلم من رآه بَدِيهَةً هابَهُ أَي مُفاجأَةً وبغتة، يعني من لقيه قبل الاختلاط به هابه لوقاره وسكونه، وإِذا جالسه وخالطه بأن له حسن خُلُقِه. وفلانٌ صاحبُ بَدِيهَة: يصيب الرأي في أول ما يُفاجَأُ به. وقال ابن الأعرابي: بَدَّه الرجلُ إذا أجاب جواباً سديداً على البديهة. والبُداهة والبَدِيهَةُ: أوَّل جري الفرس، تقول: هو ذو بَدِيهةٍ وذو بُداهَةٍ. وقال الأزهري: بُدَاهة الفرس أولُ جريه، وعُلالتُه جَرْيٌ بَعْدَ جَرْيٍ؛ قال الأعشى: ولا نُقاتِــلُ بالعِـصِـ ـي، ولا نُرامِي بالحِجاره إلا بُدَاهَــةَ، أو عُــلا لَةَ ســابِحٍ نَهْدِ الجُـزَاره ولك البَدِيهَةُ أي لك أن تبدأ؛ وقال ابن سيده: وأُرى الهاء في جميع ذلك بدلاً من الهمزة. وقال الجوهري: هما يَتَبَادَهانِ بالشِّعْر أي يتجاريان، ورجلِ مِبْدَةٌ؛ قال رؤبة بن العجاج: بالــدَّرْءِ عنــي دَرْءِ كُلِّ عَنْجُهِـــي، وكَيْـــدِ مَطَــّــالٍ وخَصْــمٍ مِبْــدَهِ وفي (مقاييس اللغة) بده: الباء والدال والهاء أصل واحد يدل على أوّل الشيء والذي يفاجِئُ منه. يقال بادَهْتُ فُلاناً بالأمر، إذا فاجأتَه. أبو بكر الخوارزمي (الخوارزميُّ الأديب وليس الخوارزمي الرياضي): وإذا ابتدهت بديهــة يا ســيدي فأراك عنـــد بديهتـــــي تتقلــقُ وإذا قرضــت الشــعر في ميدانــه لا شــك أنّــك يا أخـــي تشـــقّقُ إني إذا قلـــت البديهــة، قلتهــا عجلاً، وطبعـك عند طبعـي يرققُ لو كنتَ من صخـر أصـــم لهالــه منــي ابديهــةُ، واغتــدي يتفلّـقُ أو كنت ليثاً في البديهــة خــادراً لرُئيـت يا مســكين منّــي تفَـــرقُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae