الأديب تبدو له دوما قضية ماثلة أمام الملأ، أو قضايا مصيرية تبحث عن حل.. أليس هو من يصنع الرؤى ويتحدث بالمثل ويطرح الأفكار المنتقاة؟، فمن خاصية الكلمة الحرة النيرة، ومن وازع القيم البشرية يحاول أن يكسو الحياة بالنور ليهدي البشرية الصفاء المنشود. فماذا يحدث حين يشعر الأديب بأن الظلم بات يوشك أن يناله، وإن القلم الذي هو محور قضايا الساحة بات قضية تبحث عن أقلام مساندة ويبحث عن حيثيات ومواقف وتبعات إعلامية تشي بأن الأديب بات في تحد آخر وليس في منأى عن الاستهداف. والأديب لا يجد سببا لابتعاده عن القضايا المحدقة بالبشرية، خصوصا وأنه ذو خاصية مؤثرة، وعنصرا من عناصر الحياة الفاعلة، فما يدرك البشرية قد يدركه كمثقف، بل الأديب أقدر على بلورة قضاياه حسب أصولها وتبعاتها وأقدر على الصمود، فيما هناك من لا يقدر على مجرد الطرح أو من لا يستطع محاكاة الحياة بكل ألوانها وطقوسها وشتاتها، لكن كيف يكون الأمر حينما يصبح التشريع الوظيفي عامل إثناء للمثقف أو دافعا يحيل الأديب إلى زوايا ضيقة؟ من المنظور العام، ليس من العدل إن يستنجد الأديب، أو يصبح ضحية لتخبط إداري أينما كان، وأيا كان، سواء سياسيا أو اقتصاديا. فللأديب حق العمل الذي تستدعيه متطلبات الحياة، وبذلك يصبح الأمر ليس إلا تحد آخر للأديب، يتداخل فيه العطاء مع ثقل المسؤولية تجاه المجتمع. وهذا من شأنه مزيدا من التقدير وليس تكبيل الهمم، أو رمي الذمم بأشكال التحريض المتأصل كما يحصل عادة في أورقة العمل أينما خط لها مساحة أو شملها مكان في الوطن العربي، ويبتعد الأمر أحيانا نحو التهديد والوعيد لمجرد الاختلاف في المنابع والاتجاهات الثقافية أو اختلاف موازين الأفكار. بالمقابل هل تجدي كل تلك المواقف والشعارات المساندة التي تطلقها اتحادات أدبية وهيئات ثقافية، أم أنها مثقلة بالقول مجردة من الفعل؟ وهل هي مواقف استعراضية لا تتحمل وزر الدفاع عن الحق ولا تزود عن الضحية، أو هي مجرد استطراد هامس اعتاد على البوح ضمن سياق العمل؟ وهل هي مواقف انتقائية في خطابها للمؤسسات، أو انتقائية في احتضان أديب وترك آخر؟ هنا تتجسد علامات الاستغراب والتساؤل، مع الإيمان الراسخ بأهمية الوقوف مع الأديب اذا ما تعرض للظلم. فالأديب هو محور أساسي في سياق ما تقدم، فلا ينبغي استعراض قضاياه على أنها مسألة هامشية، بل هي من نبع الكيانات والدول القائمة على نبذ العبثية الإدارية التعسفية، هذا المفهوم ينبغي إن يتأصل سواء في مؤسساتنا الثقافية أو في الاتحادات الأدبية، أما المؤسسات الإعلامية فعليها أن تسخّر كل طاقتها إذا ما تعرض الأديب إلى قمع إداري أو انتقاص من خبراته الإبداعية.