العلاقة بين الذاكرة والجسد، علاقة يصعب تصنيفها، ولكن يمكن التواصل معها عبر المكان، فعندما يلتقى الجسد مع المكان تعمل الذاكرة، يتذكر المرء الأحداث البعيدة والقريبة، يتذكر الأشخاص، الرائحة وقد يتذكر درجة الحرارة، ويلتقط الفنان تلك اللحظات عبر الفن، لأن الفن قادر على ترجمة اللغة الداخلية للفنان. الجسد يبني الذاكرة، وعبر الجسد تصطدم الحواس بالوسط المحيط، ويبدأ التاريخ بتوثيق لحظة اصطدام الجسد بالوسط المحيط، وهنا نتذكر متى تعلمنا البكاء، الضحك، الخوف، وغيرها من العناصر النفسية وغير النفسية المرتبطة بالتكنولوجيا، بناء الجسد للذاكرة يبدأ من لحظة الخلق الأولى، في بداية ما كنا داخل أحشاء الظلام في رحم الأم، الذاكرة تعلم الجسد أن لا يقع في نفس الجحر مرة أخرى، أي أن الجسد أثناء نموه مرتبط بالذاكرة، لذلك تجد الفنان يمجد الذاكرة، ويعلم الجسد فن التعامل مع الأجساد الأخرى، عبر الذاكرة. الألم له قدرة أكبر للكتابة على سطح الذاكرة من الفرح، لأنه يكتب عبر الجمر وليس الفحم الأسود، الألم يجعل الجسد يموت أحياناً، لأن النيران لم تتوقف، وهنا يأتي دور الفنان ليعلم جسد المشاهد كيف يتعامل مع نيران الألم عبر الذاكرة، يخاطب الفنان أولاً الذاكرة ومن ثم الجسد، لأن الذاكرة متعاونة ولها مرونة على التخلص من شرارة النيران المشتعلة بسبب الألم، أكثر من الجسد، فإن تمكن الفنان من الذاكرة استطاع السيطرة على الجسد، وإنقاذه من الموت والهلاك. عندما تبدأ الذاكرة بالتذكر، ينشأ حوار بين الأنا والآخر، يحاول الأنا فرض سلطانه على الآخر، لأنه يدعي بأن ذاكرته لها قدرات وإمكانيات كبرى، تمكن الأنا من السيطرة على جسده والأجساد الأخرى، لكن الفن يرفض هذا الادعاء فالأنا قادرة على التحكم بجسدها فقط، والآخر كذلك، كل ذاكرة مرتبطة بجسد واحد فقط، قد تتحاور الأجساد مع بعضها بعضاً عبر الذاكرة وتتآلف، لكن من غير عدوان. الذاكرة مرتبة بالجسد ومستقلة عنه في نفس الوقت، فقد يتذكر الفنان لون الشجر الأخضر، وقد تخدعه الذاكرة فيتخيل أن لون الشجر أخضر مزرق، وهنا تجد الاستقلالية التي تعيشها الذاكرة، فالخيال يصبح حقيقة عندما يرسم بفرشاة الذاكرة. science_97@yahoo.com