حينما زارت موظفة أحد مراكز الإحصاء بيوت عدد من المواطنين وجهت لهم أسئلة كثيرة حول موضوع الدمج الاجتماعي لعدد من الفئات الاجتماعية كالمساجين السابقين والذين خضعوا لإعادة تأهيل بسبب تعاطي المخدرات وعمال البناء و... الخ ، الموظفة قالت إن المركز بصدد إعداد دراسة اجتماعية متكاملة حول موضوع الدمج ومدى تقبل أفراد المجتمع لهذا التوجه، والدراسة ليست سوى محاولة لسبر آراء الناس واستطلاع توجهاتهم وقناعاتهم ومدى رفضهم أو قبولهم.
والمعروف في أغلب بلداننا العربية أن الناس عادة ما تتوجس خوفاً وتتحفظ في تعاملها مع موظفي الإحصاء واستطلاعات الرأي، ولذلك فإنهم غالباً ما يدلون بمعلومات غير دقيقة، كما يحدث في الدول التي تحصل الضرائب من مواطنيها مثلاً ، ففي هذه الدول لا يعطي الفرد بيانات دقيقة عن دخله مثلاً ، ولذلك فإن موظفة الإحصاء وجدت صعوبة على ما يبدو في إقناع الناس بأهمية الدراسة، خاصة حين شرحت لهم موضوع الدمج وجاء في الشرح ذكر بعض الفئات تحديداً، ومع أن الموظفة لم تأت ومعها قرار الدمج، إلا أن بعض من قابلتهم أدلوا ببيانات وآراء اعتقدوا أنها ستصب في خانة عرقلة أي قرار من هذا النوع!!
وهنا يأتي السؤال الجوهري، هل هذا الرفض الاجتماعي يعني أن هذه الفئات التي عانت من فترات إدمان وسجن وغيره لا يحق لها الاندماج والعيش وسط الناس فيما لو خضعت لفترة علاج أوتأهيل ؟
ألا يحق لهؤلاء أن يبدأوا حياتهم مجدداً وأن يحصلوا على فرص عمل مناسبة؟ هل وقوعهم في دائرة تعاطي الكحول أو المخدرات ودخولهم السجن لظروف مختلفة يعني خروجهم من دائرة الانتماء المجتمعي ومن حق الحياة والعيش ؟ إذن كيف يمكن إثبات حسن نوايا هؤلاء وخروجهم من دائرة الانحراف والإدمان بشكل نهائي ليتقبلهم الناس، وكيف يمكن إقناع الناس في المجتمع بصدق توبة هؤلاء ونجاح برامج التأهيل التي خضعوا لها ؟
لقد أثارت زيارة تلك الموظفة مسألة في غاية الخطورة لأن هناك أعداداً ليست بقليلة من مدمني المخدرات ومتعاطي الكحول والخارجين من السجون بعد فترات عقوبات متفاوتة، وفي كل الحالات فإن تقبل المجتمع لهؤلاء يتسم بالخوف والتوجس الشديد لأسباب معروفة وفي محلها في كثير من الأحيان، خاصة أن جهات الرعاية المفترضة قليلة أولاً، ولا تتخذ شكلاً علاجياً أو أساليب متابعة حقيقية لإعادة هؤلاء الناس للحياة الطبيعية بعد فترات السجن أو التأهيل فتتركهم يتخبطون كما يشاؤون !
إن فشل مؤسسات الرعاية كوزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها يعني أن المدمن يستمر في وضع الإدمان فيتحول إلى مشكلة أسرية وعلة اجتماعية، والمخيف أن غياب الرعاية يحوّل الكثير من هؤلاء الناس إلى عالم الجريمة لتمويل إدمانهم حسب رأي الدكتور محمد غباش في أحد مقالاته.
إن لكل حديقة بستانياً يشذّب أشجارها، لكن ليس للناس بستاني للأسف - كما يقول أحد أدباء فرنسا - ليعيد ترتيب ما تنافر من سلوكهم وحياتهم” ولذلك تتزايد أعداد الفاشلين وغير القادرين على الاندماج في المجتمع، كما تتزايد مشاعر التوجس منهم ورفض الاندماج بهم، من هنا تجب إعادة النظر في موضوع الرعاية الاجتماعية وإعادة التأهيل والمتابعة الاجتماعية وتوفير فرص العمل لهؤلاء حتى لا نفاقم شعورهم بالفشل والهروب مجدداً إلى الإدمان والجريمة ، وأحسب أن هذه مهمة الجهات المسؤولة عن الرعاية وليست مسؤولية الناس بالتأكيد.

ayya-222@hotmail.com