أرست الدولة منذ أربعة عقود وأكثر، مفهوماً جديداً يكرّس المساواة بين المعاقين والأسوياء، وسنّت في سبيل تكريس هذه القيمة الإنسانية الرفيعة القوانين التي تكفل للمعاقين حقوقهم، وتفتح لهم أبواب الأمل والعمل والإنتاج والمشاركة في مسيرة التنمية والحضارة التي تشهدها الدولة في القطاعات كافة، إلى أن باتت حديث القاصي والداني.
هذه التجربة الرائدة جديرة بالملاحظة والمتابعة التي أضحت حقيقة، نعيشها ونراها في تفاصيل حياتنا اليومية في مداخل البنايات والطرقات والمشافي والمدارس والمؤسسات العامة والوزارات الحكومية والدوائر المحلية والاتحادية، حيث يمارس المعاقون حياتهم بشكل طبيعي دون أي صعوبة، أو إحراج، يعملون جنباً إلى جنب مع إخوتهم الأسوياء والأصحاء.
هذا المشهد الإنساني الراقي بالتأكيد له مقومات وأسس تم البناء عليها لتصل تجربتنا في تأهيل وتشغيل المعاقين إلى هذه المرحلة المتطورة والراقية، وهنا لابد أن نشير إلى الجهود التي بذلها المغفور له بإذن الله والدنا الشيخ زايد الذي كرّس أول تجربة لتأهيل وتشغيل المعاقين عبر المركز الزراعي الذي يحمل اسمه “رحمه الله” ويشرف على المركز خبراء من الأمم المتحدة فأبدع المعاقون في عملهم، وإنتاجهم من الخضراوات والفواكه يسوّق في مراكز خاصة لأنه منتج طبيعي مائة بالمئة، وأصبح المركز مزاراً وقبلة للكثير من الدول التي تسعى لتطبيق التجربة.
كما لابد أن نشير أيضاً إلى أن جهود الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، الذي أعطى جُلّ اهتمامه لهذه الفئة من المجتمع، ودعمه لمركز تأهيل وتشغيل المعاقين في العاصمة، أينع ثماراً رائدة في هذا المضمار الإنساني محلياً، بل وتخطى دولة الإمارات ووصل إلى الدول الشقيقة، خصوصاً إخواننا في فلسطين، فاستضاف المركز مجموعة من الأشقاء الفلسطينيين المعاقين، الذين تضرروا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وأصابتهم صواريخ وقاذفات العدو بالإعاقة، وبعد أكثر من عام هم اليوم مندمجون مع إخوانهم في الإمارات بعد تأهيلهم وتدريبهم وتوفير فرص عمل لبعض من أراد منهم البقاء في الدولة.
إن هذا المشروع الرائد والعطاء السخي كان محل إشادة من الأمم المتحدة، ممثلة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي قدّرت هذا العمل الإنساني النبيل، وعلى أساسه قامت بتكريم الشيخ سيف بن زايد مؤخراً، تقديراً لدعمه وجهوده الكبيرة والمقدرة في دعم اللاجئين الفلسطينيين، وبشكل خاص فئة المعاقين التي وجدت كل العطف والرعاية في الإمارات، من وزير الداخلية الذي كان ولا يزال يتابع لحظة بلحظة أدق تفاصيل هذه التجربة الإنسانية والعمل الإنساني الرائع فله كل الشكر والتقدير.
فهؤلاء المعاقون هم أبناء الإمارات، وهذه الأعمال والمبادرات من دولة الإمارات وقيادتها وأبنائها لإخوانها وأشقائها ولكل محتاج في شتى أنحاء المعمورة نموذج حيّ للتحضر والعمل الإنساني الجاد وتقديم المعونة والأيادي البيضاء للمحتاجين والمحرومين والمتضررين من الكوارث والحروب دون مِنّة أو أذى.

m.eisa@alittihad.ae