الجماعة عندنا ترى ما يعرفون أن كذبة أبريل أو سمكة أبريل كما يسميها الفرنسيون الذين ابتدعوها عام 1564م في عهد شارل التاسع حينما اعتمدوا التقويم الجديد، حيث أصبح العام يبدأ في الأول من يناير، بدلاً من التاريخ القديم في الأول من أبريل، لكن ظل الكثيرون يحتفلون به في تاريخه القديم، فعدوه نوعاً من المزاح والضحك والكذب الأبيض، لكن أحياناً كثيرة نبتلى بأشياء، ونحولها إلى مآس ترّج البيوت ومرات الأوطان، ومرات تهلك الإنسان، ومصدر هذه الأشياء هي الثقافة، فكما هي ثقافة الأفراد متباينة، هناك ثقافات الشعوب متناقضة، فاليمني لو طلبت منه أن تفتشه وهو في صنعاء، فربما سبك، وربما مازحك طالباً منك أن تتحسس جنبيته ليقطع بها يدك، ولو قال لك: أيش حامل قنابل؟ فلربما لا تثير في نفسك شيئاً، لكن أن يقولها اليمني وهو راكب طائرة بريطانية متجهة إلى مطار مذهل كهيثرو، فالمضيفة ثقافتها وطبيعة مهنتها لا تجعلها تفتح فاها أو تفغر فمها وتتجمد أمامه، لابد من فعل سريع وحاسم، ومنها شلّ حركة ذلك المسافر على عجل ببخاخ سري يريح الأعصاب ويمنع التوتر والتهور أو تبليغ الطيار وإنزال الطائرة على عجل، أو تجهيز فرقة كوماندو للتدخل السريع والتعامل مع المسافر بالطريقة التي لا يرتجلونها وإنما تدربوا عليها، وفك شيفرة ذاك المزاح الثقيل والذي هو في غير محله.
مثل هذا المزاح في وطننا العربي المقهور لا يحتاج ليوم الأول من أبريل، فهو يعيش كذبة كبيرة طوال سنوات مديدة، جعلت المواطن يترحم على أيام الاستعمار مما لاقى من أبناء جلدته من تنكيل وكذب حقيقي وكذب على الذقون وذر الرماد في العيون، لذا كل كذباتنا تتجه إلى العنف والقتل، فكم من رئيس أقبروه يوم الأول من أبريل، وكم من حكومة أقالوها في ذلك التاريخ، وكم أهلكوا من لا يريدونه أو يرغبون فيه من مسؤولين، كذبة أبريل عند العرب ليس فيها شيء مفرح أو مضحك أو تحمل بشارة رضا، وكأنها أرواحنا تنضح بما فيها، كأن يتصل أحد ويقول لك: أخوك عمل حادث أو ألحق بيتكم يحترق أو شغالتكم انتحرت.
في أوروبا يمكن تكون مزحة العجوز لجارتها أن قطتها ولدت توأمين من النوع الشيرازي أو يمكن أن يفاجئ أميركي أصدقاءه بدعوة عشاء، ولكنهم لا يجدونه ولا يجدوا ما يسدون به جوعهم في تلك الليلة المتأخرة، أو تفاجئ الزوجة زوجها بأنهما كسبا ورقة اليانصيب، وتحضر له هدية ثمينة ليصدق، وفي الآخر يشكرها ويضحكا ويقول لها: أنتِ نصيبي وحظي! شيء من هذا القبيل، لا يعني موت أوباما لأي عائلتين أميركيتين سوى التأسف والحزن وإيذاء النفس، وهو أمر لا يتسامحون فيه، ولا يسمحون حتى بالكذب الأبيض فيه!


amood8@yahoo.com